أبحث عن..

Showing posts with label عزيزي رفعت. Show all posts
Showing posts with label عزيزي رفعت. Show all posts
حوار | عن رسائل "عزيزى رفعت"
حوار أجراه معي الروائي والكاتب الصحفي العزيز أحمد إبراهيم الشريف، رئيس قسم الثقافة بجريدة اليوم السابع، بمناسبة إصدار كتاب "عزيزي رفعت" في معرض القاهرة الدولي للكتاب.  يمكنكم زيارة رابط الحوار المنشور في فبراير الماضي، من هنا.  



وإليكم نص الحوار: 


كتاب "عزيزى رفعت" للزميلة سارة درويش، والصادر حديثًا عن دار المسك، يمكن القول عنه إنه كتاب شفيف، رسائله قريبة من القلب ولغته تخاطب النفس، فتؤنبها وتراضيها.

وعندما تنتهى من قراءته ستجد نفسك متمثلة فيه بصورة أو بأخرى، ستشعر بالخوف الذى شعرت به سارة درويش فى رسائلها الـ74، وستشعر الأمان أيضًا لأن هناك من يستمع إليك ولا يحاسبك طوال الوقت، فالكتاب بمثابة مرآة حقيقية للنفس، تكشف الكثير من المزايا والعيوب، وذلك من خلال رسائل تسعى للتعافى من كل ما نمر به من ضغوط وقلق وتوتر من إثبات للذات أو حتى نفيها والذوبان فى العالم المتسع.

كما يحمل التعافى من نظرات الآخرين التى تطاردنا، هؤلاء الآخرون الذين يريدوننا على شاكلتهم، أو يريدوننا أقوياء طوال الوقت، لكن سارة درويش كان لها رأى آخر، حيث واجهت الجميع بالكتابة.. وقد أجرينا معها هذا الحوار:


أدب الرسائل فن كتابى قديم.. من أين جاءتك الفكرة؟
أحب قراءة أدب الرسائل جدًا، أحب الحميمية فيه وتلك الرغبة القوية فى التواصل التى تجعل أحدًا يقرر أن يخرج عقله وقلبه من جسده ويضعهما على الورق ويرسلهما لآخر لكى يفهمه.
بالنسبة لى حين فكرت فى كتابة الرسائل كانت لدى تلك الحاجة الماسة لأن يفهمنى / يسمعنى أحد، ليس لأن المحيطين بى لا يفعلون ذلك، ولكن لأننى وقتها كنت عاجزة حتى عن فهم نفسى وشرح ما بداخلي، فى الوقت نفسه كنت أشعر أن إفراغ قلبى وعقلى لدى أحد، مهما كان قريبًا ومخلصًا، هو عبء كبير أخشى أن أثقل به أحد، ثم تلك الورطة التى تجعل الآخر يشعر أنه مضطر للرد عليّ، لهذا فكرت فى الكتابة لرفعت، لأنه لسنوات طويلة كان صديقى الخيالى المفضل ومؤنسى حتى حين لم يكن لدى أصدقاء، اخترته كذلك لأنه لن يكون مضطرًا للرد، لن يكون مضطرًا لقول أى شيء لأنه يجب أن يرد، ولن يكون كل هذا البوح عبئًا عليه.

رفعت إسماعيل ذلك المحظوظ برسائلك.. هل يستحق فعلا كل هذه الكتابة الجميلة؟

قبل أن أرتضى بصداقة رفعت كان لسنوات طويلة بالنسبة لى فارس الأحلام، وهو أمر غريب أن أشعر بالإعجاب نحو عجوز نحيل وعصبى مطارد بالنحس طيلة حياته، ولكن تلك التركيبة ـ غير المثالية، غير البطولية ـ التى ابتكرها العظيم الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، جعلت رفعت إسماعيل أقرب لقلبى من أى بطل خيالى آخر يتفاخر كاتبه بقوته ومهارته.
كان رفعت ـ فى أعداد ما وراء الطبيعة ـ يعترف بكل وضوح وصراحة أنه ليس مثاليًا، أنه ليس قويًا جدًا وأنه ـ مثل أى شخص طبيعى ـ يشعر بالخوف، بالملل، بالانزعاج حتى من تطفل الآخرين عليه وإقلاق راحته، يعترف بغيرته وحنقه وخيباته، كان قريبًا كصديق حميمى ساعدنى كثيرًا على أن أتقبل نواقصي، أتقبل أننى لست شخصًا خارقًا ولا مثاليًا وأننى أشعر بالخوف أحيانًا وأواجه الفشل فى أحيان أخرى، وأن أهم شيء فقط هو أن أكون صادقة، صادقة مع نفسى وصادقة فى مشاعري. كان فى خيالى دائمًا ذلك الشخص الذى يربت على كتفى ويقول لى "لا بأس.. هذه الأشياء تحدث".

ألم تخش سارة درويش أن يعرف الناس نقاط ضعفها من رسائلها؟
حين كتبت الرسائل الأولى لم أكن أنوى نشرها أبدًا. كتبتها دون تفكير فى مدى ما أكشفه عن نفسى فيها، وهذا منحنى الكثير من الحرية فى كتابتها، والكثير من الخفة والراحة بعد كتابتها، حين فكرت فى نشرها للمرة الأولى ترددت كثيرًا، حذفت بعض المقاطع وعدلت أخرى، ولكن مع الوقت، أصبحت أكتبها وأنشرها فورًا دون حذف ولا إعادة تفكير، لأننى تصالحت أخيرًا مع كل هذا الضعف، ولأن تعليقات من قرأوها التى تقول إنهم تراودهم المخاوف والمشاعر نفسها جعلتنى أكثر شجاعة وطمأنينة.


"الخوف" ذلك الشعور المرعب الذى كان مسيطرًا عليك.. كيف ترينه الآن؟
لا يزال الخوف أكثر المشاعر شرًا فى نظري. كلما فتشت عن الدافع الأصلى وراء كل التصرفات المؤذية أو الغريبة للكثيرين -أو حتى الصادرة مني- أرى الخوف دائمًا هناك، كامنًا وراء الجشع والقسوة والنهب والقتل.


هل يمكن القول إن ما كتبتيه ينتمى إلى أدب الاعتراف؟
جزء من الرسائل يمكن اعتباره من أدب الاعتراف لكن أعتقد أن بعضها ليس كذلك، بعضها كان كجزء من حوار تخيلي مع الذات، أعبر فيه عن أفكار وتأملات عامة غير شخصية.


هل فعلا تعافيت بالكتابة.. أم لا تزال الهواجس والكوابيس تطارد سارة درويش؟

حين بدأت كتابة الرسائل فى فبراير 2015 لم أكن منزعجة من أية هواجس أو كوابيس، بل أن ما أزعجنى وقتها هو أننى لا أشعر بذلك، كان هناك الكثير من الضباب والشعور أننى مثقلة لسبب غير واضح، لست حزينة، ولا أشعر بالفرحة بل متبلدة، كان ذلك التبلد مخيفًا أكثر من الشعور بالخوف نفسه. كان يشبه شللاً أصاب مشاعرى وقدرتى على التواصل مع نفسى قبل الآخرين. مع الوقت، ساعدتنى الكتابة على التعافى من ذلك الشعور بالتبلد وانقطاع الصلة بينى وبين نفسي، أصبحت الآن قادرة على الانفعال والفرح والغضب وحتى البكاء، وهى أمور لم أعرف أهميتها إلا بعد أن تعافيت فعلاً.
لا تزال الهواجس تطاردني، أتخلص من واحد فيظهر آخر جديد، وهكذا.. وهو ما يجعلنى أظن أننا لا نحتاج للتعافى من الخسارات الكبيرة فقط وإنما نحتاج للتعافى أولاً بأول من تلك الخدوش النفسية الصغيرة التى تحدث يومًا بعد آخر وربما لا نشعر بها ولكن إذا لم نعتنى بأنفسنا كما ينبغي، إذا لم نداويها ونمنحها الفرصة لتلتئم ستتراكم حتى تشوه روحنا بالكامل.


ألا تفكرين فى تكرار التجربة مرة ثانية وتكتبين رسائل جديدة؟
أتمنى ألا أتوقف أبدًا عن كتابة الرسائل لرفعت، لأننى بحاجة دائمًا إلى هذه الصلة بينى وبين نفسي، وأتمنى ألا تنقطع أبدًا، ولذلك حتى بعد أن أصبح الكتاب قيد الطبع كنت أكتب رسائل جديدة.
"عزيزي رفعت" في معرض الكتاب

 

كتاب عزيزي رفعت متوفر في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022 في جناح دار المسك (صالة 2 ـ جناح B60) 

 وهكون موجودة هناك يوم السبت 29 يناير (من 4 ـ 6 مساء)، ويوم الجمعة 4 فبراير

💓


الكتاب كمان ضمن ترشيحات جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة لمعرض الكتاب 2022 









أماكن توافر كتاب عزيزي رفعت

 

كتاب "عزيزي رفعت" من دلوقتي ولحد إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022 متوفر في دار المسك للنشر والتوزيع، بعدها هيكون متاح في المكتبات 📚
🟡 لو عايز تشتري الكتاب قبل معرض الكتاب:
✅ تقدر تطلبه من دار النشر ( مع إمكانية للتوصيل لعنوانك)
تواصل مع دار النشر على واتساب: 01551241659
أو من خلال فيسبوك المسك للنشر والتوزيع
✅ وتقدر تشتريه من دار النشر نفسها:
📌 9 شارع الجهاد - ميدان لبنان - المهندسين - الجيزة




"عزيزي رفعت" X  معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022

 صدر حديثًا عن دار المسك للنشر والتوزيع، كتاب "عزيزى رفعت"، للكاتبة سارة درويش ويضم أكثر من 70 رسالة توجهها الكاتبة إلى "رفعت إسماعيل" بطل سلسلة روايات "ما وراء الطبيعة". ومن المقرر أن يتوافر الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022.


 كتاب "عزيزى رفعت" هو الكتاب الثالث لسارة درويش التى سبق وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "حكايا السمراء" فى 2015 وكتاب "زوجى مازال حبيبي" فى 2010. 

تفاصيل الخبر على موقع جريدة اليوم السابع 





 كافيتريا عبد القادر ورسائل سارة

مقال عن "عزيزي رفعت" بقلم ا.محمد رفعت الكاتب الصحفي ونائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر

كانت الصحافة ولا تزال مصدرًا ونبعًا سخيًا للمبدعين، سواء فى الرواية التى استهوت عددًا من كبار الصحفيين مثل إحسان عبد القدوس وصلاح غانم وصلاح حافظ وغيرهم من العمالقة، أو كتابة الأغانى والمسرحيات والسيناريوهات للسينما والتليفزيون من خلال عشرات الأسماء والقمم الصحفية والفنية والأدبية مثل صلاح جاهين وبيكار ولطفى الخولى وأحمد صالح وعبد الرحيم كمال.

محمد رفعت الكاتب الصحفي ونائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر

وأسعدنى الحظ الأسبوع الماضي، بحضور فعاليتين جميلتين لاثنين من أنبغ صحفيى هذا الجيل وأكثرهم موهبة وتميزًا، الأولى هى عرض مسرحية «كافيتريا عبد القادر» للزميل والصديق المبدع أحمد طنطاوي، وهو محرر وكاتب صحفى موهوب ورسام كاريكاتير خفيف الظل وشاعر وكاتب مسرحى صاحب رأى ورؤية، والثانية هى مناقشة كتاب «عزيزى رفعت»، للكاتبة الصحفية والمُدونة والروائية الجميلة سارة درويش رئيس قسم المرأة والمنوعات بجريدة اليوم السابع.

وأجمل ما فى مسرحية «كافيتريا عبد القادر»، هى تلك القدرة على الإيجار والتكثيف والحوار الممتع الذى كتبه «طنطاوي» بحس شاعر واحترافية كاتب معجون بالموهبة، استطاع أن يلخص قضايا كثيرة ومهمة مثل إحباطات الشباب ومعاناة البسطاء وخطر الإرهاب وجذور الفساد فى فصل واحد، لم نشعر خلاله بلحظة واحدة من الملل، من خلال أداء واثق ومقنع من معظم الممثلين وكلهم من الهواة الذين تمكن المخرج الرائع أحمد على من تدريبهم وتوجيههم بعصا مايسترو قدير.

أما الوصف المثالى لرسائل سارة درويش لـ رفعت إسماعيل بطل روايات «ما وراء الطبيعة» للعراب الراحل د.أحمد خالد توفيق، فهو ما كتبته القارئة آية حماد تعليقًا على الكتاب الممتع، قائلة: «الكتاب فعلاً محاولة للتعافى وهو مناسب جدًا لمن هم فى حاجة للحديث إلى أنفسهم ومكاشفة أرواحهم بمشاعر الوحدة واليأس والاتكاء لبعض الوقت على الجانب الرائع للبوح.. فى مواضع عديدة تحدثت سارة بلسان قلبى وعبرت عن مشاعر مختلفة ومواقف شديدة الالتصاق بذاتى ربما ما صارحت أحد بها قط.. أعجبتنى الرسائل للغاية وربما توقيت قراءتها تزامن نفسيًا مع ما كنت أرغب فى البوح عنه».

أما سارة درويش، فقالت عن كتابها: «حين كتبت لرفعت كان لدى الكثير من المشاعر الحبيسة، المخاوف الساذجة والشكاوى التى لا يعبأ بها أحد، فضلاً عن شعور قاسٍ بأن الحديث - فى هذه الحالة النفسية - مع آخر يعنى أنك تقدم لهذا الآخر حبل مشنقتك على طبق من ذهب، كنت أشعر بالخوف والضآلة والضياع الشديد رغم أننى أدور فى مسار محدد ربما أكثر من اللازم.

حين بدأت توقعت ألا أكتب أكثر من رسالتين أو ثلاثة ثم أمل وأنسى الموضوع كعادتي، لكننى كتبت لرفعت مرة بعد أخرى وكنتُ أشعر بالراحة، لم ألمس أبدًا ذلك التأثير المبهر للرسائل على روحى إلا بعد ما يقرب من عام، هذه الرسائل منحتنى السلام، جعلتنى أقرب لنفسي، جعلتنى أتخفف من الكثير من الضغوط والمخاوف».



no image
 إلى رفعت.. الرسالة 81

هذه الرسالة كانت مسودة مرتبكة قبل أيام، كنت أحاول أن أدفع بها شعوري بالذنب لأنني مستلقية على السرير لأكثر من 4 ساعات أخطط للساعات الأربعة التي ضاعت لتوها نافدة الطاقة عاجزة عن الوصول حتى للثلاجة لأروي عطشي.

أمسك هاتفي، أفتح اللعبة تلو الأخرى، تنفد كل فرصي لتكرار المحاولة، فأتصفح "فيسبوك" تستفزني صور، حكايات، آراء لا أحرك ساكنًا لأعلق عليها، أكتفي بالمرور كشبح، واستمر في التخطيط لما ينبغي عليّ أن أنهض الآن لأفعله. يصادفني تطبيق لتعليم اللغة، تطبيق آخر لتحسين التركيز وثالث للذاكرة فأهرب منهم سريعًا ليختفوا من أمام عيني. لا أريد أن أطور نفسي الآن أريد أن أربت عليها. لا أريد أن أعرف ما كان بإمكاني أن أحققه لو اجتهدت أكثر، أريد أن أرضى بما وصلت له، بالقدر الذي سمحت به طاقتي.

أتذكر حديثي مع أختي قبلها بساعات، عن جسدي الذي لا يعرف الراحة، ساقي التي لا تعرف معنى التمشية. بمجرد أن تمس أرد الشارع تهرول مسرعة حتى لو لم يكن شيئًا مهمًا ولا عاجلاً بانتظاري.

أتذكر اعترافي لصديقتي قبلها بأسابيع، أنني لا أجيد الاستمتاع بسفر لأجل السفر والمتعة، أشعر بالذنب في الوقت الشاغر الذي لا أنجز فيه أي مهمة. أشعر دائمًا أنه عليّ أن أفعل شيئًا ما لأستحق أن أتنفس. وفي المقابل، يعاقبني جسدي وعقلي بتمرد طويل. بإهدار عشرات الساعات والأيام والأسابيع في اللاشيء. أنصب الفخ لنفسي وأسقط فيه وأتعذب. أضع خططًا شديدة الحماس والإتقان لوقتي. وأتعذب فيما بعد بطاقتي النافدة التي لا تسمح لي بعد انتهاء العمل بأكثر من الاستلقاء في السرير والثرثرة. كما أفعل الآن. بل إنها في أيام أخرى لا تسمح لي حتى بالثرثرة.

إلى رفعت.. الرسالة 79

العالم مرهق يا رفعت. تحاصرني هذه الفكرة منذ انتشر الذعر في الأسابيع الأخيرة وشل الخوف والمرض الحياة اليومية التي كانت رحاها تدهسنا بلا رحمة دون أي فرصة للوقوف لحظة لالتقاط أنفاسنا أو التفكير فيما نريد.

شعرت أن العالم منهك تمامًا مثلي، يريد استراحة من هذا الصخب والجنون المتواصل والإيقاع اللاهث للحياة بشكل يحرمنا الاستمتاع بمذاقها، ويحرمنا حتى الحياة نفسها!

لا أتمنى أبدًا أن يختبر أحد الألم، أو يفقد عزيزًا أو يعيش الخوف وتهديد فقدان حياته، ولكنني رغمًا عني وجدتني أشعر بالراحة. أحمد الله كثيرًا على تلك الهدنة التي كنت أحتاجها منذ وقتٍ طويل ولا أنالها. كنت أتمنى لو تتوقف حياتى لبعض الوقت بشكل ما، لأتمكن من لملمة شتاتى والتوقف لحظة للاستراحة، دون أن أخسر في المقابل ثمن راحتى، كنت أتمنى ولو حتى أن أقع في غيبوبة طويلة لبضعة أيام أو أسابيع كي أحظى بهذه الهدنة.

ظننت أنني أحتاج استراحة من العمل ولكن ما اكتشفته هذه الأيام هو أن العمل لا بأس به، وأن الراحة التي كنت أحتاجها هي من الحياة اليومية نفسها، من الانخراط في التفاصيل والاندماج مع البشر والاضطرار للابتسام كل يوم في وجوه الناس مهما كنت أعانى في داخلي.

بدأت عزلتي منذ تسعة أيام وحتى الآن لم أشعر بالملل، لم أشبع بعد من حضن قططي، من الاحتماء بجدران البيت، من الاستمتاع بتفاصيله ولا من تناول طعامه الطيب. لا أعرف إلى متى ستطول العزلة ولا أعرف هل سأمل يومًا أم لا ولكنني أشعر بالرضا لأنني الآن قادرة على التقاط أنفاسي قليلاً دون أن أشعر أن شيئًا كبيرًا وهامًا فاتني، أشعر بالرضا لأنني أستمتع بالبقاء في المنزل دون أن يشعرني أحدهم بأنني أفوت على نفسي الحياة خارجه أو ينظر لي باعتباري فتاة حجرية!


إلى رفعت.. الرسالة 78

 


فعلت كل ما يلزم يا رفعت كي لا أكون بطلة لواحد من أفلام الرعب التي ألعن حماقة أبطالها وسذاجتهم وتهورهم. لم أدخل أبدًا مناطق مظلمة وحدي، لم أطرق أبوابًا مواربة مشبوهة، رغم كل ما تقدمه من إغراء لفضول القطة داخلي، لم أبتعد كثيرًا عن البيت، ولم أتمسك بدمية مريبة - الحقيقة لم أتمسك بأي شيء على الإطلاق - ولم أختر أبدًا الطريق الموحشة. ورغم ذلك وجدت نفسي في متاهة طويلة لعينة لا أملك أدنى فكرة عن كيفية الخروج منها. اكتشفت يا رفعت أن هذه الحياة اليومية العادية أكثر رعبًا من كل تلك الأفلام! وهل تعرف ما هو الأسوأ؟ أنه بعد انتهاء هذه الحياة لن يستقبلني العالم كبطلة تمكنت أخيرًا في النجاة، ولن تهرع سيارات الإسعاف للتحقق من سلامتي ولن يحتضنني أحد أو يربت عليّ وهو يخبرني بتعاطف أن الأمر كان صعبًا ولكنني فعلتها وأنه فخور بي لأجل ذلك!

تحولت تلك العبارة عن أن أحدهم يخوض حربًا لا تعلم عنها شيئًا إلى مزحة، ولكنها حقيقة لدرجة تدفعني للبكاء. أنا أخوض معركة حتى أثناء نومي كي أتمكن من الحصول على الشيء الذي أعتبره الأفضل في حياتي "نومًا هانئًا دون ذلك الشعور القاتل بعدم الراحة الذي تبدو الكوابيس أليفة مقارنة به"، ثم أخوض معركة أخرى لأنهي نومي وأغادر سريري وأواصل الحياة التي ـ صدق أو لا تصدق ـ اخترتها!

أجرب كل الأشياء التي اعتدت أنها تبهجني ولكنها لم تعد مجدية، أدرك أنني أفرطت في استخدامها، في الاعتماد عليها وحدها، لأتمكن من مواصلة الحياة والآن أنا معطوبة كجسد تشبع من المسكنات ويعرف أنه مضطر الآن لمواجهة الألم، إلى الأبد لأن أي شيء آخر في العالم لم يعد مجديًا.

كلامي يبدو يائسًا يا رفعت ومخيفًا على عكس ما أبدو عليه في المعتاد. على عكس ما سأبدو عليه بعد ساعات حين أنهض من نومي وأتحرك بنشاط لأبدأ يوم آخر لأن الحياة تستمر. ولكن كل هذا اليأس يتسرب من بقعة مظلمة عميقة في داخلي، أشعر أنه يشبه مخلفات حرب اندست عميقًا داخلي حتى نسيتها، بل ونسيت الحرب ذاتها، ولكنها تنفجر فجأة بمجرد أن تحدث حركة واحدة في المكان الخطأ. المشكلة هنا أنني لا أعرف أي حرب خلفت هذه الألغام، ولا ماذا تحرك أو ما هو الخطأ. كل ما أعرفه أن الانفجار مدوي والأشلاء كثيرة. وأنا متعبة كأنني أتهاوى من داخلي.

 إلى رفعت.. الرسالة 77
الوضع معقد للغاية يا رفعت وأشعر بحاجة ماسة للمساعدة، ولكنني أعرف أنه لا أحد يمكنه مساعدتي سوايّ. لا أحد يعرف بدقة ما أعرف عن نفسي، عن ماضيّ ووضعي الراهن ومشاعري ومخاوفي، وما أريده الآن أكثر من أي شيء آخر. أشعر وكأنني بحاجة لاستشارة نسختي الأربعينية بشأن ما ينبغي أن أفعله الآن كي لا أفسد عليها حياتها خلال السنوات المقبلة.
منذ أسابيع تطاردني رغبة ملحة في البكاء بلا سبب. أو على الأقل بلا سبب مباشر واضح يمكن أن أفكر به. ورغبة في الاختباء والتوقف مؤقتًا عن الحياة. أشعر أن كل شيء حولي يدور بسرعة لا تسمح لي بالفهم ولا الاستمتاع ولا حتى التنفس، وبالطبع لا توجد فرصة للتوقف لحظة لالتقاط أنفاسي.

أشعر أنني أجري منذ سنوات طويلة. في البداية كنت أظن أنني أجري لهدف واضح، ولكنني الآن لست متأكدة تمامًا أنه بهذا الوضوح. أو على الأقل أنه يستحق. قبل أسابيع قالت مدربة حياتية قابلتها صدفة إن الطريق في المنتصف دائمًا ما تتسم بالفوضى والضياع، وأننا كثيرًا ما نفقد في هذه المرحلة البوصلة ولا نعرف هل فعلاً نسعى لتحقيق حلمنا نفسه الذي بدأنا الرحلة لأجل الوصول إليه؟ أشعر أنها محقة ولكنني في الوقت نفسه لا أعرف ما العيب في أن يتغير حلمنا بمرور الوقت؟ ما كنت أحتاجه بشدة قبل سنوات وأسعى لتحقيقه كان يبدو منطقيًا جدًا، وكنت أحتاجه فعلاً، أو لنقل كانت تلك النسخة مني تحتاجه حقًا، أما ما أحتاجه الآن مختلف تمامًا.

كان السعي لتحقيق الحلم القديم ضروريًا لأصل لنفسي، ولأصل لحلمي الحالي؛ ولكنني لا أعرف هل السعي لتحقيق حلمي الآن سيوصلني لأي مكان؟ أم فقط سيعود بي عشرات الخطوات للخلف.

منذ فترة لاحظت أنه في بعض الأحيان يضعك المحيطون بك على خارطة لا تخصك. يجعلونك ترغب في أشياء لم تكن في أولوياتك فقط لأن هذا يحدث لجميع من هم "مثلك" وعدم الحصول على هذه الأشياء يجعلك بشكل ما متأخرًا عنهم. تدريجيًا تجد نفسك تشعر بالحاجة للحصول على هذه الأشياء فعلاً وتغضب لو أن هذا لم يحدث، على الرغم من أنك بالأساس لم تكن تريدها. شعرت بالدهشة حين وقعت في هذا الفخ، رغم وعيي التام به، ولكنني لم أملك المقاومة، ولا أعرف هل سأخرج منه أم لا.

إلى رفعت.. الرسالة 80 (؟)
أفكارى مشوشة يا رفعت والصمت ثقيل، وذاكرتي خربة أكثر من اللازم لدرجة أنني لا أذكر هل هذه الرسالة الثمانون فعلاً أم أنني أخطئ في العدد. لا أصدق أنني لم أكتب لك منذ مارس الماضي. هل مرت فعلاً 3 أشهر منذ كتبت لك الرسالة الأخيرة؟ أضعت أكثر من ساعة في البحث عن رسالة أظن أنني كتبتها، أظن أنها أعجبت صديقتي وأن هذا أكسبها مكانة مميزة لديّ ولكنني لا أجد شيئًا رغم أنني أذكر جيدًا ذلك الإحساس بأنني أفرغت قلبي لديك ومضيت. 


***
في الشهور الأخيرة عانيت كثيرًا من الأرق. عانيت كذلك من النوم المرهق والأحلام الثقيلة على القلب والكوابيس التي كانت تجعلني أبكي خوفًا من النوم. جربت عشرات الحيل لأحظى بنومٍ مستقر وظننت السبب هو عدم خروجي من البيت لأكثر من شهر. الأمر لا يزعجني ولكنني ظننته يزعج جسدي رغمًا عني، خاصة أن كل من أعرفهم تقريبًا لديهم الشكوى ذاتها. ولكنني فوجئت أن الحل أبسط مما كنت أتوقع. كل ما كان يلزمني كي أتمكن من النوم هو أن أكتب. أكتب دون أن أعبأ بمن يقرأ ولا حتى ما أكتبه. فقط حين أفرغت الفوضى فى عقلي على الصفحة البيضاء أمامي توقفت الطاحونة فى رأسي ونعمت بنومٍ هادئ خال حتى من الأحلام، وهو أمر يزعجني قليلاً لأنني أحب أحلامي الغريبة والغامضة. 

**** 
أشعر بالغضب يا رفعت ممن يتكلمون بثقة وتعالٍ عن أشياء لم يجربوها أبدًا، ويحاكمون أشخاصًا لم يكونوا يومًا في موضعهم فقط لأنهم لم يكونوا في موضعهم! يبدون حمقى ومغرورين وقساة كمن ينكر وجود الجوع لأنه لم يجربه أبدًا ويستنكر ألم الجائع ويندهش كيف لا يستمتع بجمال الدنيا ولا يبتسم مثلهم! 
كل ما أتمناه يا رفعت أن يمروا بكل التجارب القاسية التي يقولون إنها لا تستحق كل هذا الصخب. أتفهم الآن ذلك الوحش في الفيلم الذي لا أذكره، الذي كان لا يؤذِ أبدًا من اختبروا الألم. ربما كان محقًا ومنصفًا في اختيار فرائسه. 

***
أكره الشعور بالعجز يا رفعت. الصرخات المكتومة في الأحلام. العجز عن الاستيقاظ وإنهاء الكابوس الذي أدرك تمامًا أنه كابوس. العجز عن النوم. العجز عن الاستيقاظ من النوم.. العجز عن مغادرة السرير،  العجز عن الخروج من المنزل، العجز عن السيطرة على أفكاري، العجز عن التحكم بمزاجي. العجز عن الشعور بالسعادة رغم وجود مسبباتها. العجز عن الشعور من الأساس. العجز عن تقديم المساعدة لآخر مهما كنت أريد ذلك بصدق. العجز عن الاندماج مع الآخرين. العجز عن الاستمتاع بالوقت. العجز عن التذكر. العجز عن الفهم.. العجز عن التوقف عن التفكير. وحتى العجز عن شرح فكرة بسيطة لشخص يجعلني أفهم أخيرًا معنى "قلوبنا غلف".
أكرهه حتى في أشياء بسيطة كـ العجز عن إتمام المكالمة.. عجز الإتصال بالإنترنت.. العجز عن العثور على نتيجة بحثك! 

إلى رفعت.. الرسالة 76


سأصاب بالإحباط يا رفعت لو اكتشفت أنني فعلا تلك الفتاة التي تظهر في الصور وتبدو طيبة كأم. يراني البعض كذلك ويبدو هذا جيدًا فيقولونه كمجاملة، ولكنني في قرارة نفسي لا أريد أن أكون تلك الفتاة. أفضل أن أكون مشاغبة، مشاكسة، محاربة أو حتى شريرة ولا أكون بنتا طيبة بذلك المفهوم السخيف لدى الناس الذي يترجمونه إلى أنني فتاة ساذجة مغلوبة على أمرها تجيد التكيف مع أية ظروف ويسهل إرضاؤها وخداعها كذلك؛ على الرغم من أنني أعرف جيدًا قدرتي على التكيف مع أية ظروف، وأعرف أن أشياء بسيطة جدًا قادرة على إرضائي، وأعرف أنني أحسن الظن بالآخرين ولكن أحمق من يظن كل ذلك سذاجة.
أتذكر مرة أن أحدهم هز رأسه بثقة العارف وأخبرني أنه يدرك تمامًا سر اختياري للقب "إيزيس" وأن هذا يدل بالطبع على أنني أقدس الأمومة واخترت إيزيس لحنوها. انتفضت كالملدوغة. لا أكره الأمومة إنما أخافها؛ ولكن ما أزعجني أكثر هو التساؤل: كيف يغفل أحدهم عن كل ذلك الإصرار لدى إيزيس والمثابرة والإيمان بالمستحيل ويصدق جوجل الذي أخبره فقط أن إيزيس رمز الأمومة لدى الفراعنة؟ كيف يغفل أحدهم روحها المقاتلة، حتى كأم، ويختصرها فقط في أنها حنون وطيبة؟
هذه هي المشكلة دائمًا. أظن طيلة الوقت أنني أشرح نفسي، ربما أكثر من اللازم، ولكن ما يصل للآخرين يكون مختلفًا تمامًا عما أعنيه، وعما أنا عليه في الحقيقة. في تعليق عابر على رسالة ريم الأخيرة أخبرتها أنني أتمنى لو أن ساحرة طيبة تبتكر ترياقًا يمكن لكل من يشربه أن يفهم ما يقصده الآخر كما يقوله بالضبط، هل تتخيل شكل العالم يا رفعت لو تحققت هذه الأمنية؟
لديّ دائمًا يا رفعت الكثير من الأسئلة عما نكون حقًا. عن تلك المسافة بين صورتنا عن أنفسنا وصورة الآخرين عنا وعن حقيقتنا بينهما. من نكون حقًا؟ قرأت يومًا عنوانًا عن دراسة تقول أننا نرى أنفسنا في المرآة أجمل كثيرًا من شكلنا في الحقيقة. لا أعرف هل هي دراسة حقيقية أم لا، ولكن ألا تتفق معي أنه أمر محزن أننا حتى لا نعرف ملامحنا الحقيقية؟ هل نرى أنفسنا أجمل لأسباب فيزيائية أم فقط لأننا متعاطفون جدًا مع أنفسنا فيؤثر هذا على صورتنا في عيوننا؟ وهل حتى أولئك الذين يجيدون التواصل مع أنفسهم ـ أزعم أنني واحدة منهم ـ لديهم صورة مزيفة عن أنفسهم وما يراه الآخرون منهم هو الحقيقة؟
وإذا لم نكن ذلك الشخص الذي يظنه الناس، هل هذا خطأنا لأننا لا نجيد التعبير عن أنفسنا، بالمظهر أو التصرفات أو الكلمات المناسبة، أم خطأ الآخرين لأنهم لا يبذلون ما يكفي من المجهود ليعرفوننا كما نحن فعلاً؟

* اللوحتان self-portrait لفنسنت فان جوخ
x
إلى رفعت.. الرسالة 75
كل ليلة حين أختبئ في سريري، تلتف القطط حولي من كل جانب، يلتصقون بي كضمادة عملاقة من الفرو. يمتص صوت خرخرتهم المطمئنة كل توتري وضغوطي. أبتسم لأنني - بكل هشاشتي - قادرة على منح الطمأنينة لأحدهم. يندس أصغرهم تحت الغطاء ويستقر بين ذراعيّ بدلال ويداعب وجهي كطفل، فأشعر أنني بعد عدة ساعات في قربهم قادرة على مواجهة العالم ليوم آخر.

***
يقول أحدهم على فيسبوك "يتعافى المرء بأصدقائه" يشكك آخر "لا يتعافى المرء"، أقول لنفسي أتعافى بالقطط، بالبيت، بالكتابة، بأصدقائي الطيبين، بدعمهم والنظر لنفسي بعيونهم، بطعام أمي ودعائها، بالرضا، بإخوتي، بحضن صغار أخي، بمحبة خالصة من أشخاص لم أقابلهم أبدًا، بقرب من أحب، بالشعور بالتقدير، بأفلام أحبها، بكتابٍ ممتع، بالكتابة مرة أخرى، وبك يا رفعت.
يتعافى المرء يا رفعت ولكن المرعب أن نتعافى لنختبر الألم نفسه من جديد، لنعيش عذاب سارق النار المقدسة، تنبت كبدنا وتلتئم جروحنا كل ليلة ليكون لدى الرخ ما يأكله في الصباح التالي.
أشعر بالحيرة، هل هذه في النهاية هي الحياة؟ هل النضج أن ندرك أننا لا نتعافى إلا لنتمكن من مواصلة اختبار الألم / الحياة؟ أن نتلقى كل الصفعات بثبات ونحن نخبر أنفسنا أنه لا بأس أن تأتي يومًا صفعة أقوى من اللازم فنهوى على الأرض لنلتقط أنفاسنا وننهض لتلقي التالية بثبات من جديد؟ أم النضج أن نخرج من دائرة اللعنة ونتعافى فعلاً بالبعد عن طائر الرخ النهم للأبد؟
أطرح السؤال على نفسي يا رفعت منذ سنوات ولا أجد أبدًا الإجابة. من وقتٍ لآخر أتبنى إحدى الإجابتين، أجد نفسي مقتنعة تمامًا بها، وبعد أيام أو ربما أسابيع أو شهور أختار الإجابة الأخرى باقتناع تام، أعتبر نفسي الآن نضجت، وكنت حمقاء فيما سبق، وبعد شهور أعود للأولى، و...إلخ.

إلى رفعت.. الرسالة 74
حين قرأت رسالة ريم الأخيرة يا رفعت اكتشفت أن أسوأ ما أفسد عليّ حياتي كان خوفي الذي نهش كل قطعة طمأنينة في قلبي. قُلت لريم حين قرأتها إننى اكتشفت أن حياتي لم تكن مأساوية بقدر خوفي. خوفي كان المأساة؛ والحياة الموازية التي عشتها في مخاوفي كانت أسوأ كثيرًا من حياتي نفسها.
قبل عدة سنوات يا رفعت كانت لديّ أحلام كبيرة، أو كنت أظن ذلك. يسألونني عن أحلامي فأفكر في تغيير العالم، أو تغيير المحيطين بي على الأقل. في بصمة تجعل الناس يتذكرون أنني مررت هنا يومًا ما. ولكنني قبل عامين حين سئلت عما أريده أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة أجبت بلا تردد "الأمان".
أبكي الآن وأنا أدرك إلى أي حد هي أمنية مستحيلة، لا لسبب إلا لأن كل ما يمكن أن يخيفني في هذا العالم موجود فقط في رأسي.
في الكثير من الأحيان، حين أكون غاضبة جدًا وأشعر بأعصابي تحترق شعرة شعرة ألجأ لأخي، يسمعني ثم يسألني باهتمام عن أسوأ ما يمكن أن يحدث لو تحققت أسوأ مخاوفي في الأمر الذي يوترني الآن؟ أخبره بالاحتمال الأسوأ فيسألني وماذا يمكن أن يحدث لو وصلتِ لهذه النتيجة؟ أدرك بنفسي أنه لا شيء مرعب بهذا القدر يمكن أن يحدث فأطمئن. أحاول مؤخرًا أن ألعب هذه اللعبة مع نفسي، أصل في لعبة الاحتمالات لمستوى الوحش، أسأل نفسي عن أسوأ ما يمكن أن يحدث، فأجده جيدًا، أجده في الواقع قرارًا تمنيت مرارًا لو اتخذته لكنني لا أملك من الشجاعة ما يكفي لاتخاذه فأهدأ.
يقول لي الكثيرون أنني سأكون أكثر هدوءًا وأقل توترًا / خوفًا حين أتقدم في العمر. ينضم هذا إلى قائمة الأسباب التي تجعلني أتوق لهذه المرحلة من عمري، ولكنني أخاف فعلاً أن أكبر دون أن أتخلص من هذا القلق المزمن، أتذكر مقولة د.أحمد ـ رحمه الله ـ "أتمنى أن أبكي وأرتجف، التصق بواحد من الكبار لكن الحقيقة القاسية هي أنك الكبار" ويتضاعف خوفي.
كنت أفكر بعدما قرأت رسالة ريم، كم هو مرعب هذا الخوف. أظن يا رفعت أن أصل الشرور، كل الشرور، هو الخوف! أظن أن الجشع، الطمع، الوحشية، الأنانية، التسلط والخسة، كلها في الأساس يحركها الخوف. بينما أفكر في ذلك شاهدت فيلمًا يتحدث عن المعنى نفسه، كان فيلمًا مصريًا من الثمانينيات أو ربما التسعينيات، اسمه حتى "نهر الخوف"، يحكي عن شباب خافوا من أن يواجهوا ظلمًا اتهامًا بالاعتداء على فتاة، فارتكبوا فعلاً جريمة خطف أتوبيس نهري واحتجاز رهائن!
يدللون دائما على غدر القطط بالتهامها أطفالها ولكن الحقيقة أن هذا إن حدث لا يحدث إلا بسبب الخوف.
هو دائمًا البذرة الخبيثة التي تنمو فتصبح غدرًا أو كذبًا أو جبنًا أو قسوة أو أي شيء آخر نحاول، واهمين، أن نحتمي به من الخوف!
هل يمكنك أن تطمئنني يا رفعت؟ هل يأتي يوم ويسكن هذا الوحش؟

painting source: chacoco.tumblr
إلى رفعت.. الرسالة 73
هل تؤمن بالتخاطر يا رفعت؟ لا أقصد حماقات الرقود في الظلام والتحديق في الفراغ مع ترديد اسم معين 10 مرات! وإنما أقصد ذلك التواصل الذي يحدث رغمًا عنا مع آخرين، ولا يحتاج للتفرغ أو الظلام أو الهدوء وإنما يفرض نفسه علينا في ذروة انشغالنا ورغم كل الصخب والضجيج من حولنا، أو ربما يحدث بسببه. أن نجد أرواحنا تهرب من كل هذا الزحام والقلق والضغط إلى مكان آمن.
قبل سنوات لم أكن اؤمن بهذه الفكرة، ولكنني الآن أجدها مطمئنة ومريحة جدًا للحد الذي يجعلني أبتسم دون سبب أكثر من مرة خلال اليوم.
أحب أن أطمئن نفسي بأن أولئك الذين يمرون ببالي الآن بشكل ملح دون سبب واضح يفكرون بي في الوقت نفسه. ربما أكون واهمة ولكن ما الضرر في ذلك؟
****
أفكر كثيرًا يا رفعت أيهما أجمل أن يكون ما يربطنا بالآخرين الحب أم الحاجة؟ قبل أن تجيبني هل انتبهت للفخ؟ يجيب الكثيرون "الحب طبعًا" ولكنهم رغم ذلك يرون عبارة مثل "لا يمكنني العيش بدونك" رومانسية جدًا !
كنت كذلك ولكنني الآن أرى الأكثر رومانسية وجمالاً أن يمكننا أن نعيش بدونهم ورغم ذلك نريد القرب منهم لأننا نحبهم فعلاً، لا لأن غيابهم ينقصنا ولا لأننا ندمنهم ولا لأننا تعساء من دونهم. نحبهم لأجلهم، لأجل وجودهم الذي يزيد شعورنا بالطمأنينة وبأن العالم أجمل، ولكننا بلا شك لن نموت من دونهم ولن يموتوا كذلك.
قد يشعرنا بالزهو أن نعرف أن وجودنا ضروري لأحدهم، يرضي هذا غرورنا وربما خوفنا من أن يستغنى عنا هذا الآخر، ولكن في الحقيقة لا نكون أبدًا كذلك، هذه الفكرة إما وهم يتخيله هو أو نزرعه نحن في خياله أما الحقيقة أن الحياة تمضي.
قد يكون هذا صادمًا وعمليًا وجافًا جدًا يا رفعت ولكن ألا يشعرك بأنه يجعل الحب منزهًا عن أي شبهة ابتزاز عاطفي؟
أحب يا رفعت أن أقول لأحدهم كن بجانبي لأنني أريدك لا أن أقول ابق لأنني سأنهار دونك، وأنا أعرف، وهو يعرف أن هذا لن يحدث.

إلى رفعت.. الرسالة 72


هذه المحاولة العشرون ربما لكتابة هذه الرسالة يا رفعت. عقلي مشوش جدا على الرغم من أنني بخير. أفتقدك وأحاول الكتابة إليك مرارًا ولكنني ﻻ أنجح. وأصبح لدي عشرات المسودات لرسالة تحمل الرقم ذاته وأفكار مختلفة لكنني عاجزة تماما عن التعبير عنها.
أكره جدًا هذه الحالة، وأعرف أنه لن يمكنني تجاوزها إﻻ بما أفعله اﻷن: الكتابة؛ حتى لو كان ما أكتبه كلاما فارغًا ومجرد عبارات متراصة جنبًا إلى جنب. مؤخرًا قررت أن أقاوم بحثي الدائم عن الكمال بهذه الطريقة. دائمًا ما كنت أؤخر اﻷعمال التي أتمنى إنجازها بطريقة مثالية حتى آخر لحظة ﻷنني ﻻ أجد طريقة رائعة ﻹنجازها. وفقط حين يحاصرني الوقت وأجد نفسي مضطرة ﻹنجازها أدرك أن كل ما كان يحول بيني وبينها هو الوهم.
أصبحت أقول لنفسي في النهاية ستقومين بها ولن تكون مثالية، فلتنجزيها اﻵن واستمتعي على اﻷقل بوقتك.
على الرغم من محاولاتي الفاشلة لكتابة هذه الرسالة منذ أيام كان لدي الكثير من اﻷفكار التي أحببت أن أشاركها معك. فكرت فيك مثﻻً حين انتهيت من مشاهدة فيلم "يو هاف جوت ميل" للمرة الثانية. أتخيلك تشاهده إلى جواري وتحاول إخفاء تأثرك برومانسيته، ربما تشعر بالاطمئنان ﻷنك تعلم بالنهاية السعيدة للفيلم بالفعل ولكن هل يمنعك هذا من التعاطف مع أبطاله والبكاء ﻷجلها تارة وﻷجله تارة أخرى؟ هل تشعر مثلي لو أنك تود كشف الحقيقة لها وتطلب منها أﻻ تقسو عليه لهذه الدرجة ﻷنه في النهاية ليس كما يبدو لها؟ هل تشعر بالرغبة في أن تربت على كتفيها وتخبرها أنه لم يخذلها، ولم يغب عن الموعد بل كان أقرب مما تظن؟
عشرات المشاعر عشتها مع الفيلم يا رفعت وكأنني أراه للمرة اﻷولى، وتمنيت مرة أخرى لو أن معجزة ما تضعني في أحداث ولو حتى ﻷحظى بطقس نيويورك في الخريف.
وددت أن أحكي لك يا رفعت عن الطعام الذي أخذه من البيت للعمل وتصفه صديقتي بأنه "أكل طيب" ﻻ تقصد مذاقه وإنما تقصد أنه يشبه اﻹنسان الطيب. أحببت وصفها الذي يعبر بدقة عن سبب حبي لاصطحاب أي شيء من البيت للعمل.أنا أحب البيت وأشعر حين أفعل ذلك أنني أواجه العالم بتميمة من البيت. يمنحني ذلك شعورًا بالطمأنينة يشبه إحساسي بأن أمي تزورني في المدرسة.
أحب البيت وأشعر أن الأشياء يكون لها مذاقًا حقيقيًا فقط داخله. الماء، الشاي، القهوة حتى اﻷكل من طعمي المفضل مذاقه يختلف داخله.
يذكرني تعلقي بالبيت بالقطط، هم أيضًا يرتبطون بالبيت أكثر من البشر وﻻ يبالون مطلقًا بالوحدة طالما يعيشون في بيت يألفونه.
على ذكر القطط، شاهدت أمي ذلك الفيديو الذي حاولت مرارًا نسيانه أو تجاهله لقطة تتمرغ على قبر صاحبتها وكأنها تود إخراجها من داخله. حين شاهدت هذا الفيديو قبل أسابيع بكيت طويﻻً وأبكي اﻵن وأنا أتذكره. ﻻ أحب أن أفكر في تلك اللحظات، ولكن كلما فكرت في موتي أفكر في القطط، هل يفتقدونني؟ هل يتأقلمون مع غيابي؟ هل تزورهم روحي بعد رحيلي مثلما زاروني مرارًا في طفولتي؟ ﻻ أعرف هل نلقاهم في الحياة اﻷخرى أم لا ولكنني أتمنى لو يحدث ذلك ربما ﻻ أشعر وقتها بالوحشة في العالم الآخر.

إلى رفعت.. الرسالة 71
غمرتني السعادة يا رفعت وأنا أشاهد نفسي أبتسم في موقفين كان من الممكن قبل شهور أن يشعلا أعصابي شعرة شعرة. وجدت نفسي أبتسم، ولا أبالي. أتفهم الدوافع وراء الحديث الذي يفترض أن يزعجني، أشفق كثيرًا على صاحبه، ولا أبالي لا به ولا ما ورائه. أرى في عيون بعض المحيطين عشرات الصور النمطية عني، لا تشبهني على الإطلاق، ولكنني للمرة الأولى أيضًا لا أبالي.

أدركت لحظتها أنني تغيرت كثيرًا خلال الشهور الماضية. أصبحت أشبه إلى حد كبير سارة التي كنت أحبها قبل سنوات وإن كنت الآن أقل سذاجة منها. شعرت بالامتنان تجاه كل من ساعدوني على استعادتها، حتى لو دون قصدٍ منهم، وكل من لمحوها داخلي وأضاءوا لي الطريق لأصل من جديد إليها.

تذكرت وقتها ما حدثتني عنه ريم في رسالتها الأخيرة، وهم التأثير الواسع في الناس والنجاح المدوي، مقابل إنكار أهمية الأثر البسيط في المحيط القريب. منذ تخلصت من سذاجتي القديمة يا رفعت تخلصت معها من هذا الوهم والحماس الساذج لتغيير العالم. أصبحت أحلم لو أن يكون لي أثرًا عميقًا / بسيطًا في دائرتي القريبة، حتى لو لم يدركوا ذلك. أتمنى لو أن أحدهم يحمل لي ذلك الامتنان العميق الذي أحمله داخلي لكل من أعرف أنهم ساندوني وساعدوني على استرداد نفسي. حتى من لم أخبرهم أبدًا كيف أثرت كلمات / تصرفات بسيطة جدًا منهم فيّ ورممتني في الوقت المناسب تمامًا.

بالمناسبة، أقول لريم إنها مؤثرة فعلاً لدرجة كبيرة. لا أعرف هل تصدقني أم تظنها مجاملة، ولكن لحضورها في حياتي تأثير هادئ. يشبه السلام والسكينة اللذان أفتقدهما كثيرًا في حياتي المعجونة بالتوتر والقلق. ربما تقنعها هذه الرسالة أنها كذلك يا رفعت <3