
أبحث عن..

الكتاب أيضًا متاح في دار المسك للتوزيع، يمكنك الشراء من مقر الدار أو التواصل على فيسبوك أو هاتفيًا على رقم 01551241659




صدر حديثًا عن دار المسك للنشر والتوزيع، كتاب "عزيزى رفعت"، للكاتبة سارة درويش ويضم أكثر من 70 رسالة توجهها الكاتبة إلى "رفعت إسماعيل" بطل سلسلة روايات "ما وراء الطبيعة". ومن المقرر أن يتوافر الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022.
كتاب "عزيزى رفعت" هو الكتاب الثالث لسارة درويش التى سبق وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "حكايا السمراء" فى 2015 وكتاب "زوجى مازال حبيبي" فى 2010.
تفاصيل الخبر على موقع جريدة اليوم السابع

مقال عن "عزيزي رفعت" بقلم ا.محمد رفعت الكاتب الصحفي ونائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر
كانت الصحافة ولا تزال مصدرًا ونبعًا سخيًا للمبدعين، سواء فى الرواية التى استهوت عددًا من كبار الصحفيين مثل إحسان عبد القدوس وصلاح غانم وصلاح حافظ وغيرهم من العمالقة، أو كتابة الأغانى والمسرحيات والسيناريوهات للسينما والتليفزيون من خلال عشرات الأسماء والقمم الصحفية والفنية والأدبية مثل صلاح جاهين وبيكار ولطفى الخولى وأحمد صالح وعبد الرحيم كمال.
وأسعدنى الحظ الأسبوع الماضي، بحضور فعاليتين جميلتين لاثنين من أنبغ صحفيى هذا الجيل وأكثرهم موهبة وتميزًا، الأولى هى عرض مسرحية «كافيتريا عبد القادر» للزميل والصديق المبدع أحمد طنطاوي، وهو محرر وكاتب صحفى موهوب ورسام كاريكاتير خفيف الظل وشاعر وكاتب مسرحى صاحب رأى ورؤية، والثانية هى مناقشة كتاب «عزيزى رفعت»، للكاتبة الصحفية والمُدونة والروائية الجميلة سارة درويش رئيس قسم المرأة والمنوعات بجريدة اليوم السابع.
وأجمل ما فى مسرحية «كافيتريا عبد القادر»، هى تلك القدرة على الإيجار والتكثيف والحوار الممتع الذى كتبه «طنطاوي» بحس شاعر واحترافية كاتب معجون بالموهبة، استطاع أن يلخص قضايا كثيرة ومهمة مثل إحباطات الشباب ومعاناة البسطاء وخطر الإرهاب وجذور الفساد فى فصل واحد، لم نشعر خلاله بلحظة واحدة من الملل، من خلال أداء واثق ومقنع من معظم الممثلين وكلهم من الهواة الذين تمكن المخرج الرائع أحمد على من تدريبهم وتوجيههم بعصا مايسترو قدير.
أما الوصف المثالى لرسائل سارة درويش لـ رفعت إسماعيل بطل روايات «ما وراء الطبيعة» للعراب الراحل د.أحمد خالد توفيق، فهو ما كتبته القارئة آية حماد تعليقًا على الكتاب الممتع، قائلة: «الكتاب فعلاً محاولة للتعافى وهو مناسب جدًا لمن هم فى حاجة للحديث إلى أنفسهم ومكاشفة أرواحهم بمشاعر الوحدة واليأس والاتكاء لبعض الوقت على الجانب الرائع للبوح.. فى مواضع عديدة تحدثت سارة بلسان قلبى وعبرت عن مشاعر مختلفة ومواقف شديدة الالتصاق بذاتى ربما ما صارحت أحد بها قط.. أعجبتنى الرسائل للغاية وربما توقيت قراءتها تزامن نفسيًا مع ما كنت أرغب فى البوح عنه».
أما سارة درويش، فقالت عن كتابها: «حين كتبت لرفعت كان لدى الكثير من المشاعر الحبيسة، المخاوف الساذجة والشكاوى التى لا يعبأ بها أحد، فضلاً عن شعور قاسٍ بأن الحديث - فى هذه الحالة النفسية - مع آخر يعنى أنك تقدم لهذا الآخر حبل مشنقتك على طبق من ذهب، كنت أشعر بالخوف والضآلة والضياع الشديد رغم أننى أدور فى مسار محدد ربما أكثر من اللازم.
حين بدأت توقعت ألا أكتب أكثر من رسالتين أو ثلاثة ثم أمل وأنسى الموضوع كعادتي، لكننى كتبت لرفعت مرة بعد أخرى وكنتُ أشعر بالراحة، لم ألمس أبدًا ذلك التأثير المبهر للرسائل على روحى إلا بعد ما يقرب من عام، هذه الرسائل منحتنى السلام، جعلتنى أقرب لنفسي، جعلتنى أتخفف من الكثير من الضغوط والمخاوف».

هذه الرسالة كانت مسودة مرتبكة قبل أيام، كنت أحاول أن أدفع بها شعوري بالذنب لأنني مستلقية على السرير لأكثر من 4 ساعات أخطط للساعات الأربعة التي ضاعت لتوها نافدة الطاقة عاجزة عن الوصول حتى للثلاجة لأروي عطشي.
أمسك هاتفي، أفتح اللعبة تلو الأخرى، تنفد كل فرصي لتكرار المحاولة، فأتصفح "فيسبوك" تستفزني صور، حكايات، آراء لا أحرك ساكنًا لأعلق عليها، أكتفي بالمرور كشبح، واستمر في التخطيط لما ينبغي عليّ أن أنهض الآن لأفعله. يصادفني تطبيق لتعليم اللغة، تطبيق آخر لتحسين التركيز وثالث للذاكرة فأهرب منهم سريعًا ليختفوا من أمام عيني. لا أريد أن أطور نفسي الآن أريد أن أربت عليها. لا أريد أن أعرف ما كان بإمكاني أن أحققه لو اجتهدت أكثر، أريد أن أرضى بما وصلت له، بالقدر الذي سمحت به طاقتي.
أتذكر حديثي مع أختي قبلها بساعات، عن جسدي الذي لا يعرف الراحة، ساقي التي لا تعرف معنى التمشية. بمجرد أن تمس أرد الشارع تهرول مسرعة حتى لو لم يكن شيئًا مهمًا ولا عاجلاً بانتظاري.
أتذكر اعترافي لصديقتي قبلها بأسابيع، أنني لا أجيد الاستمتاع بسفر لأجل السفر والمتعة، أشعر بالذنب في الوقت الشاغر الذي لا أنجز فيه أي مهمة. أشعر دائمًا أنه عليّ أن أفعل شيئًا ما لأستحق أن أتنفس. وفي المقابل، يعاقبني جسدي وعقلي بتمرد طويل. بإهدار عشرات الساعات والأيام والأسابيع في اللاشيء. أنصب الفخ لنفسي وأسقط فيه وأتعذب. أضع خططًا شديدة الحماس والإتقان لوقتي. وأتعذب فيما بعد بطاقتي النافدة التي لا تسمح لي بعد انتهاء العمل بأكثر من الاستلقاء في السرير والثرثرة. كما أفعل الآن. بل إنها في أيام أخرى لا تسمح لي حتى بالثرثرة.

العالم مرهق يا رفعت. تحاصرني هذه الفكرة منذ انتشر الذعر في الأسابيع الأخيرة وشل الخوف والمرض الحياة اليومية التي كانت رحاها تدهسنا بلا رحمة دون أي فرصة للوقوف لحظة لالتقاط أنفاسنا أو التفكير فيما نريد.
شعرت أن العالم منهك تمامًا مثلي، يريد استراحة من هذا الصخب والجنون المتواصل والإيقاع اللاهث للحياة بشكل يحرمنا الاستمتاع بمذاقها، ويحرمنا حتى الحياة نفسها!
لا أتمنى أبدًا أن يختبر أحد الألم، أو يفقد عزيزًا أو يعيش الخوف وتهديد فقدان حياته، ولكنني رغمًا عني وجدتني أشعر بالراحة. أحمد الله كثيرًا على تلك الهدنة التي كنت أحتاجها منذ وقتٍ طويل ولا أنالها. كنت أتمنى لو تتوقف حياتى لبعض الوقت بشكل ما، لأتمكن من لملمة شتاتى والتوقف لحظة للاستراحة، دون أن أخسر في المقابل ثمن راحتى، كنت أتمنى ولو حتى أن أقع في غيبوبة طويلة لبضعة أيام أو أسابيع كي أحظى بهذه الهدنة.
ظننت أنني أحتاج استراحة من العمل ولكن ما اكتشفته هذه الأيام هو أن العمل لا بأس به، وأن الراحة التي كنت أحتاجها هي من الحياة اليومية نفسها، من الانخراط في التفاصيل والاندماج مع البشر والاضطرار للابتسام كل يوم في وجوه الناس مهما كنت أعانى في داخلي.
بدأت عزلتي منذ تسعة أيام وحتى الآن لم أشعر بالملل، لم أشبع بعد من حضن قططي، من الاحتماء بجدران البيت، من الاستمتاع بتفاصيله ولا من تناول طعامه الطيب. لا أعرف إلى متى ستطول العزلة ولا أعرف هل سأمل يومًا أم لا ولكنني أشعر بالرضا لأنني الآن قادرة على التقاط أنفاسي قليلاً دون أن أشعر أن شيئًا كبيرًا وهامًا فاتني، أشعر بالرضا لأنني أستمتع بالبقاء في المنزل دون أن يشعرني أحدهم بأنني أفوت على نفسي الحياة خارجه أو ينظر لي باعتباري فتاة حجرية!

فعلت كل ما يلزم يا رفعت كي لا أكون بطلة لواحد من أفلام الرعب التي ألعن حماقة أبطالها وسذاجتهم وتهورهم. لم أدخل أبدًا مناطق مظلمة وحدي، لم أطرق أبوابًا مواربة مشبوهة، رغم كل ما تقدمه من إغراء لفضول القطة داخلي، لم أبتعد كثيرًا عن البيت، ولم أتمسك بدمية مريبة - الحقيقة لم أتمسك بأي شيء على الإطلاق - ولم أختر أبدًا الطريق الموحشة. ورغم ذلك وجدت نفسي في متاهة طويلة لعينة لا أملك أدنى فكرة عن كيفية الخروج منها. اكتشفت يا رفعت أن هذه الحياة اليومية العادية أكثر رعبًا من كل تلك الأفلام! وهل تعرف ما هو الأسوأ؟ أنه بعد انتهاء هذه الحياة لن يستقبلني العالم كبطلة تمكنت أخيرًا في النجاة، ولن تهرع سيارات الإسعاف للتحقق من سلامتي ولن يحتضنني أحد أو يربت عليّ وهو يخبرني بتعاطف أن الأمر كان صعبًا ولكنني فعلتها وأنه فخور بي لأجل ذلك!
تحولت تلك العبارة عن أن أحدهم يخوض حربًا لا تعلم عنها شيئًا إلى مزحة، ولكنها حقيقة لدرجة تدفعني للبكاء. أنا أخوض معركة حتى أثناء نومي كي أتمكن من الحصول على الشيء الذي أعتبره الأفضل في حياتي "نومًا هانئًا دون ذلك الشعور القاتل بعدم الراحة الذي تبدو الكوابيس أليفة مقارنة به"، ثم أخوض معركة أخرى لأنهي نومي وأغادر سريري وأواصل الحياة التي ـ صدق أو لا تصدق ـ اخترتها!
أجرب كل الأشياء التي اعتدت أنها تبهجني ولكنها لم تعد مجدية، أدرك أنني أفرطت في استخدامها، في الاعتماد عليها وحدها، لأتمكن من مواصلة الحياة والآن أنا معطوبة كجسد تشبع من المسكنات ويعرف أنه مضطر الآن لمواجهة الألم، إلى الأبد لأن أي شيء آخر في العالم لم يعد مجديًا.
كلامي يبدو يائسًا يا رفعت ومخيفًا على عكس ما أبدو عليه في المعتاد. على عكس ما سأبدو عليه بعد ساعات حين أنهض من نومي وأتحرك بنشاط لأبدأ يوم آخر لأن الحياة تستمر. ولكن كل هذا اليأس يتسرب من بقعة مظلمة عميقة في داخلي، أشعر أنه يشبه مخلفات حرب اندست عميقًا داخلي حتى نسيتها، بل ونسيت الحرب ذاتها، ولكنها تنفجر فجأة بمجرد أن تحدث حركة واحدة في المكان الخطأ. المشكلة هنا أنني لا أعرف أي حرب خلفت هذه الألغام، ولا ماذا تحرك أو ما هو الخطأ. كل ما أعرفه أن الانفجار مدوي والأشلاء كثيرة. وأنا متعبة كأنني أتهاوى من داخلي.


منذ أسابيع تطاردني رغبة ملحة في البكاء بلا سبب. أو على الأقل بلا سبب مباشر واضح يمكن أن أفكر به. ورغبة في الاختباء والتوقف مؤقتًا عن الحياة. أشعر أن كل شيء حولي يدور بسرعة لا تسمح لي بالفهم ولا الاستمتاع ولا حتى التنفس، وبالطبع لا توجد فرصة للتوقف لحظة لالتقاط أنفاسي.
أشعر أنني أجري منذ سنوات طويلة. في البداية كنت أظن أنني أجري لهدف واضح، ولكنني الآن لست متأكدة تمامًا أنه بهذا الوضوح. أو على الأقل أنه يستحق. قبل أسابيع قالت مدربة حياتية قابلتها صدفة إن الطريق في المنتصف دائمًا ما تتسم بالفوضى والضياع، وأننا كثيرًا ما نفقد في هذه المرحلة البوصلة ولا نعرف هل فعلاً نسعى لتحقيق حلمنا نفسه الذي بدأنا الرحلة لأجل الوصول إليه؟ أشعر أنها محقة ولكنني في الوقت نفسه لا أعرف ما العيب في أن يتغير حلمنا بمرور الوقت؟ ما كنت أحتاجه بشدة قبل سنوات وأسعى لتحقيقه كان يبدو منطقيًا جدًا، وكنت أحتاجه فعلاً، أو لنقل كانت تلك النسخة مني تحتاجه حقًا، أما ما أحتاجه الآن مختلف تمامًا.
كان السعي لتحقيق الحلم القديم ضروريًا لأصل لنفسي، ولأصل لحلمي الحالي؛ ولكنني لا أعرف هل السعي لتحقيق حلمي الآن سيوصلني لأي مكان؟ أم فقط سيعود بي عشرات الخطوات للخلف.
منذ فترة لاحظت أنه في بعض الأحيان يضعك المحيطون بك على خارطة لا تخصك. يجعلونك ترغب في أشياء لم تكن في أولوياتك فقط لأن هذا يحدث لجميع من هم "مثلك" وعدم الحصول على هذه الأشياء يجعلك بشكل ما متأخرًا عنهم. تدريجيًا تجد نفسك تشعر بالحاجة للحصول على هذه الأشياء فعلاً وتغضب لو أن هذا لم يحدث، على الرغم من أنك بالأساس لم تكن تريدها. شعرت بالدهشة حين وقعت في هذا الفخ، رغم وعيي التام به، ولكنني لم أملك المقاومة، ولا أعرف هل سأخرج منه أم لا.


أتذكر مرة أن أحدهم هز رأسه بثقة العارف وأخبرني أنه يدرك تمامًا سر اختياري للقب "إيزيس" وأن هذا يدل بالطبع على أنني أقدس الأمومة واخترت إيزيس لحنوها. انتفضت كالملدوغة. لا أكره الأمومة إنما أخافها؛ ولكن ما أزعجني أكثر هو التساؤل: كيف يغفل أحدهم عن كل ذلك الإصرار لدى إيزيس والمثابرة والإيمان بالمستحيل ويصدق جوجل الذي أخبره فقط أن إيزيس رمز الأمومة لدى الفراعنة؟ كيف يغفل أحدهم روحها المقاتلة، حتى كأم، ويختصرها فقط في أنها حنون وطيبة؟
هذه هي المشكلة دائمًا. أظن طيلة الوقت أنني أشرح نفسي، ربما أكثر من اللازم، ولكن ما يصل للآخرين يكون مختلفًا تمامًا عما أعنيه، وعما أنا عليه في الحقيقة. في تعليق عابر على رسالة ريم الأخيرة أخبرتها أنني أتمنى لو أن ساحرة طيبة تبتكر ترياقًا يمكن لكل من يشربه أن يفهم ما يقصده الآخر كما يقوله بالضبط، هل تتخيل شكل العالم يا رفعت لو تحققت هذه الأمنية؟
لديّ دائمًا يا رفعت الكثير من الأسئلة عما نكون حقًا. عن تلك المسافة بين صورتنا عن أنفسنا وصورة الآخرين عنا وعن حقيقتنا بينهما. من نكون حقًا؟ قرأت يومًا عنوانًا عن دراسة تقول أننا نرى أنفسنا في المرآة أجمل كثيرًا من شكلنا في الحقيقة. لا أعرف هل هي دراسة حقيقية أم لا، ولكن ألا تتفق معي أنه أمر محزن أننا حتى لا نعرف ملامحنا الحقيقية؟ هل نرى أنفسنا أجمل لأسباب فيزيائية أم فقط لأننا متعاطفون جدًا مع أنفسنا فيؤثر هذا على صورتنا في عيوننا؟ وهل حتى أولئك الذين يجيدون التواصل مع أنفسهم ـ أزعم أنني واحدة منهم ـ لديهم صورة مزيفة عن أنفسهم وما يراه الآخرون منهم هو الحقيقة؟
وإذا لم نكن ذلك الشخص الذي يظنه الناس، هل هذا خطأنا لأننا لا نجيد التعبير عن أنفسنا، بالمظهر أو التصرفات أو الكلمات المناسبة، أم خطأ الآخرين لأنهم لا يبذلون ما يكفي من المجهود ليعرفوننا كما نحن فعلاً؟




أكره جدًا هذه الحالة، وأعرف أنه لن يمكنني تجاوزها إﻻ بما أفعله اﻷن: الكتابة؛ حتى لو كان ما أكتبه كلاما فارغًا ومجرد عبارات متراصة جنبًا إلى جنب. مؤخرًا قررت أن أقاوم بحثي الدائم عن الكمال بهذه الطريقة. دائمًا ما كنت أؤخر اﻷعمال التي أتمنى إنجازها بطريقة مثالية حتى آخر لحظة ﻷنني ﻻ أجد طريقة رائعة ﻹنجازها. وفقط حين يحاصرني الوقت وأجد نفسي مضطرة ﻹنجازها أدرك أن كل ما كان يحول بيني وبينها هو الوهم.
أصبحت أقول لنفسي في النهاية ستقومين بها ولن تكون مثالية، فلتنجزيها اﻵن واستمتعي على اﻷقل بوقتك.
على الرغم من محاولاتي الفاشلة لكتابة هذه الرسالة منذ أيام كان لدي الكثير من اﻷفكار التي أحببت أن أشاركها معك. فكرت فيك مثﻻً حين انتهيت من مشاهدة فيلم "يو هاف جوت ميل" للمرة الثانية. أتخيلك تشاهده إلى جواري وتحاول إخفاء تأثرك برومانسيته، ربما تشعر بالاطمئنان ﻷنك تعلم بالنهاية السعيدة للفيلم بالفعل ولكن هل يمنعك هذا من التعاطف مع أبطاله والبكاء ﻷجلها تارة وﻷجله تارة أخرى؟ هل تشعر مثلي لو أنك تود كشف الحقيقة لها وتطلب منها أﻻ تقسو عليه لهذه الدرجة ﻷنه في النهاية ليس كما يبدو لها؟ هل تشعر بالرغبة في أن تربت على كتفيها وتخبرها أنه لم يخذلها، ولم يغب عن الموعد بل كان أقرب مما تظن؟
عشرات المشاعر عشتها مع الفيلم يا رفعت وكأنني أراه للمرة اﻷولى، وتمنيت مرة أخرى لو أن معجزة ما تضعني في أحداث ولو حتى ﻷحظى بطقس نيويورك في الخريف.
وددت أن أحكي لك يا رفعت عن الطعام الذي أخذه من البيت للعمل وتصفه صديقتي بأنه "أكل طيب" ﻻ تقصد مذاقه وإنما تقصد أنه يشبه اﻹنسان الطيب. أحببت وصفها الذي يعبر بدقة عن سبب حبي لاصطحاب أي شيء من البيت للعمل.أنا أحب البيت وأشعر حين أفعل ذلك أنني أواجه العالم بتميمة من البيت. يمنحني ذلك شعورًا بالطمأنينة يشبه إحساسي بأن أمي تزورني في المدرسة.
أحب البيت وأشعر أن الأشياء يكون لها مذاقًا حقيقيًا فقط داخله. الماء، الشاي، القهوة حتى اﻷكل من طعمي المفضل مذاقه يختلف داخله.
يذكرني تعلقي بالبيت بالقطط، هم أيضًا يرتبطون بالبيت أكثر من البشر وﻻ يبالون مطلقًا بالوحدة طالما يعيشون في بيت يألفونه.
على ذكر القطط، شاهدت أمي ذلك الفيديو الذي حاولت مرارًا نسيانه أو تجاهله لقطة تتمرغ على قبر صاحبتها وكأنها تود إخراجها من داخله. حين شاهدت هذا الفيديو قبل أسابيع بكيت طويﻻً وأبكي اﻵن وأنا أتذكره. ﻻ أحب أن أفكر في تلك اللحظات، ولكن كلما فكرت في موتي أفكر في القطط، هل يفتقدونني؟ هل يتأقلمون مع غيابي؟ هل تزورهم روحي بعد رحيلي مثلما زاروني مرارًا في طفولتي؟ ﻻ أعرف هل نلقاهم في الحياة اﻷخرى أم لا ولكنني أتمنى لو يحدث ذلك ربما ﻻ أشعر وقتها بالوحشة في العالم الآخر.

أدركت لحظتها أنني تغيرت كثيرًا خلال الشهور الماضية. أصبحت أشبه إلى حد كبير سارة التي كنت أحبها قبل سنوات وإن كنت الآن أقل سذاجة منها. شعرت بالامتنان تجاه كل من ساعدوني على استعادتها، حتى لو دون قصدٍ منهم، وكل من لمحوها داخلي وأضاءوا لي الطريق لأصل من جديد إليها.
تذكرت وقتها ما حدثتني عنه ريم في رسالتها الأخيرة، وهم التأثير الواسع في الناس والنجاح المدوي، مقابل إنكار أهمية الأثر البسيط في المحيط القريب. منذ تخلصت من سذاجتي القديمة يا رفعت تخلصت معها من هذا الوهم والحماس الساذج لتغيير العالم. أصبحت أحلم لو أن يكون لي أثرًا عميقًا / بسيطًا في دائرتي القريبة، حتى لو لم يدركوا ذلك. أتمنى لو أن أحدهم يحمل لي ذلك الامتنان العميق الذي أحمله داخلي لكل من أعرف أنهم ساندوني وساعدوني على استرداد نفسي. حتى من لم أخبرهم أبدًا كيف أثرت كلمات / تصرفات بسيطة جدًا منهم فيّ ورممتني في الوقت المناسب تمامًا.
بالمناسبة، أقول لريم إنها مؤثرة فعلاً لدرجة كبيرة. لا أعرف هل تصدقني أم تظنها مجاملة، ولكن لحضورها في حياتي تأثير هادئ. يشبه السلام والسكينة اللذان أفتقدهما كثيرًا في حياتي المعجونة بالتوتر والقلق. ربما تقنعها هذه الرسالة أنها كذلك يا رفعت
