أبحث عن..

Showing posts with label تحدي الكتابة شبه اليومي. Show all posts
Showing posts with label تحدي الكتابة شبه اليومي. Show all posts
no image

 "إذن من الجاني؟" قلتها وأنا أرفع رأسي لأواجهه عينيه بنظرة ممتلئة بالحيرة والترقب. لم أكن فقط بحاجة إلى متهم أصب عليه كل غضبي وحنقي لما تحملته من ألم وقلب حياتي رأسًا على عقب طيلة أسبوع كامل، ولكنني كنت بحاجة لمذنب أقصيه عن حياتي فأشعر بالأمان. شيء محدد أعرف أنني سأكون آمنة معافاة طالما أنا بعيدة عنه.

"هذا سؤال تجيبينه أنتِ" رد؛ وأسقط في يدي. أخبرني أنه لكي أعرف المذنب عليّ أن أراجع نسيج حياتي بدقة، أمرر حتى أدق التفاصيل تحت عدسة مكبرة لأعرف أين الخلل. لتسهيل مهمتي، أوصاني أن أشك أولاً في كل الدخلاء الجدد، أشك حتى في كل ما هو مألوف ومعتاد فربما تغير شيء فيه دون أن أعرف. كان هذا مربكًا ومخيفًا. كشخص يستمد أمانه من الروتين لم يكن هناك الكثير من الدخلاء في حياتي، وكانت فكرة الاضطرار لاستبعاد واحد من الأشياء التي اعتدتها لشهور أو ربما لسنوات مرعبة. أعرف أن كل شيء في حياتي مهم بالنسبة لي حتى لو لم يبد كذك . أعرف كشخص سهل التعلق أنه حتى لو لم يكن مُهِمًّا سيكون التخلي عنه صعبًا لأن ارتباطي النفسي يمكن أن يضفي على أي شيء أهمية متوهمة.

عدت إلى البيت محملة بأدويتي وشكوكي. الارتياب في كل شيء دفعني للانزواء في ركنٍ من سريري. أتذكر تعليقه "يمكن أن يكون شيء قريبًا جِدًّا منك، حتى ملاءاتك نفسها يمكن أن تكون هي السبب". يتضاعف شعوري بعدم الراحة في السرير. تنعدم رغبتي في تناول الطعام. فواحد من هذه الأطعمة التي أحبها جِدًّا، واحد من تلك الخيارات المحدودة جِدًّا التي أدور في فلكها منذ سنوات، ربما يكون هو المتهم وهو المتسبب في ثورة جلدي ضدي. أقتات القليل من الفواكه المجففة كلما قرصني الجوع مذكرًا إِيَّايَ بأنه علي أن أمد جسدي ببعض الطاقة ولا أكتفي بإجهاده بالأدوية. أبتلع قطعة تلو أخرى بتروٍّ وأنا متوجسة. ما أدراني أنها آمنة؟ أبتلعها وأجلس ساكنة بضع دقائق. أراقب حرارة جسدي، أترقب بدء لدغات النمل أسفل جلدي. أفتح الكاميرا الأمامية وأتفقد وجهي. أشعر بالراحة حين لا يتغير شيء فأزدرد قطعتين إضافيتين لسد جوعي.

أؤجل قدر الإمكان المهمة الثقيلة لإجراء كشف حساب لحياتي اليومية كي أكتشف سبب الحساسية. أتمنى من الله ألا أضطر لتغيير أي شيء في حياتي. آمل أن تكون الحرارة المرتفعة وحدها هي السبب. تنخفض درجات الحرارة قليلاً، أفرح لأن جسدي أصبح أهدأ، أقول لنفسي "كانت الحرارة السبب" ثم أتذكر تلك المعلومة العابرة في محاضرة التسويق الإلكتروني "لن تحصل أبدًا على نتيجة مفيدة عند إجراء تجربة A/ b test إذا غيرت عنصرين في نفس التجربة، ينبغي أن يتغير عنصر واحد فقط لتحصل على إجابة دقيقة" تخفت فرحتي فقد كانت هناك العديد من المتغيرات دفعة واحدة، انخفضت الحرارة وصمت تقريبًا عن الطعام وقاطعت كل مستحضرات التجميل والعناية التي أستخدمها. هناك الكثير من المتغيرات التي يستحيل معها الحصول على إجابة دقيقة، وهناك الكثير من الخوف من الألم داخلي يمنعني من المقامرة بالعودة لأي منهم وتحمل ثورة جديدة من جلدي. هكذا أجلس في صمت. أكتفي بالإيقاف المؤقت لكل شيء تقريبًا، آملة أن ينتهي كل شيء فجأة كما بدأ فجأة وقد أصبحت زاهدة تمامًا في التعرف على الجاني.

5 طرق مضمونة لتكوني جميلة بدون مجهود

 "5 طرق مضمونة لتكوني جميلة بدون مجهود.. أولاً لا تنامي أبدًا بالمكياج" حسنًا، هذا سهل. تذكرت المقال حين ارتطمت عيني بالمرآة، هممت بإزالة المكياج الذي أتقنت تطبيقه حقًا. أنفقت ساعة ونصف وأنا أتفنن فيه وأجرب كل تلك المستحضرات باهظة الثمن التي أدخرها للأحداث المهمة وأتجاهلها في إطلالتي اليومية. كنت ممتلئة بالطاقة وأنا أستعد لذلك الحفل بحماس، لكنني لم أمكث فيه أكثر من ربع الساعة. كانت الأغاني صاخبة جدًا ولا أعرف نصفها. توترت  مع مشاهدة ذلك العدد الكبير من الأشخاص المندمجين مع الحفل والموسيقى بدرجة لن يمكنني مجاراتاها في حياتي. 

انزويت على إحدى الطاولات متظاهرة بالانشغال بتصفح هاتفي، ولكن الحقيقة أنني مشغولة بالتفكير في المتعة التي كنت سأحظى بها لو قررت البقاء في البيت ولزمت سريري الدافئ مع فيلم ممتع أو حتى حدقت في الفراغ. جربت أن ألتقط صورة سيلفي خلسة ولكن الطاولة المجاورة لي شغلت فخجلت. حين حسمت أمري وقررت المغادرة صادفت اثنتين أعرفهما لكنني خجلت أن أطلب من إحداهما أن تلتقط لي صورة. هكذا ضاعت هذه الإطلالة الرائعة دون أي توثيق. 

قبل أن أزيل المكياج جربت أن ألتقط عدة صور قبل أن أودع رسمة العين المتقنة في صدفة نادرة إلا إنني وجدت فكرة التقاط صورة بكامل مكياجي وإطلالة شبه رسمية داخل المنزل سخيفة كمن يجلس على حمام السباحة مرتديًا بدلة توكسيدو سوداء. 

قررت أن أؤجل تنفيذ النصيحة الأولى لأكون امرأة جميلة بدون مجهود. قررت أن أخرس معدتي التي بدأت تئن أولاً ثم أتولى أمر المكياج. منذ طفولتي وأنا أحب من وقتٍ لآخر أن أتظاهر بأنني مدعوة على العشاء في مطعم فاخر كلاسيكي. أعد المائدة كأنها في مطعم خمس نجوم، أخرج مناديل السفرة المطرزة التي نادرًا ما نستخدمها. أرتب أدوات المائدة بعناية. وأخيرًا أضع الأطباق وأحدث نفسي في موضوعٍ مهم. كان مكياجي الرائع يلائم هذه الأجواء بشدة. استمتعت بالطعام الساخن ومذاقه الشهي بشدة. كل طعام يكون شهيًا وقت الجوع، ولكن، ورغم أن شهادتي مجروحة بالطبع، لقد أجدت الطهي فعلاً هذه المرة. كانت الأمسية رائعة حتى وقفت فكرة في حلقي: لماذا لا يمكنك الاستمتاع بالحياة كما يفعل الآخرين يا سارة؟ لماذا تفضلين الوحدة على أي تجربة أخرى مهما كانت رائعة؟ كان اليوم فرصة مثالية لتكتسبي معارف جدد وتوسعي شبكة علاقاتك التي تعرفين كم هي مهمة! لماذا تتوقعين أن يبذل أحدهم جهدًا ليعرفك بينما أنتِ منطوية على نفسك تظهرين دائمًا أنك مكتفية من هذا العالم وليس لديكِ طاقة ولا وقت لمعرفة المزيد؟ لماذا يمنحك أحدهم اهتمامًا لا يتوقع أن تبادليه إياه؟ حسنًا لقد فسدت الأمسية تمامًا. 

لم أكمل طعامي. شعرت فجأة أن كل هذا محض سخف. لست مدعوة في مطعم فاخر. في الواقع أنت تتناولين الطعام وحيدة. تضعينه على طاولة قابلة للطي وضعتيها أمام أريكة الانتريه. وأدوات المائدة ليست مرتبة بطريقة صحيحة، وفي الواقع أنتِ تكرهين استخدامها أو للدقة تتكاسلين عن ذلك وتفضلين تناول كل طعامك بشوكة أو ملعقة واحدة. 

رفعت المائدة ودخلت لأغسل فمي ووجهي لأنام. لقد قالوا يجب أن نزيل المكياج ولم يشترطوا إزالته بالسائل المخصص والقطن، سأستخدم الغسول أو في أسوأ الأحوال الصابون. في الحمام وقفت أمام الحوض. غسلت فمي. استخدمت المضمضة بدلاً من الفرشاة والمعجون لأنني أصبحت فجأة فارغة من الطاقة. أمسكت بالغسول ثم أعدته مكانه. سأكتفي بغسل وجهي بالصابون وحسب. أنا بالفعل غسلت نصف وجهي أثناء غسلي لفمي. نظرت مرة أخرى للمرآة، رسمة العين المتقنة. للفرق بين ذلك الجزء من بشرتي الذي يتقاطر منه الماء والجزء الذي يبدو مثاليًا بعد أن أخفيت كل عيوبه. أحسست بالخطوة ثقيلة وسخيفة. وذلك الترهيب من النوم بالمكياج بدا مزعجًا. جففت فمي وخرجت لأندس في سريري وأنام. الخطوة الأولى ليست سهلة. لن يمكنني أبدًا أن أكون جميلة بدون مجهود.



#تحدي_الكتابة_شبه_اليومي
عيون مغمضة.. عيون مفتوحة
للوحة التي أحب نسختين، واحدة بعينين مغمضتين والأخرى بعيون مفتوحة. أحب أن أتحدث عنها كلما رآها أحد. أشرح أن لكل منهما معنى.



تقول عيناها المغمضة في أحضانه إنها مطمئنة. تشعر الآن بالسكينة والسكن وتحاوطها ضلوعه كحصن.

تشي عينا الأخرى المفتوحة بخوفها. خوفها الذي يتجاوز احتواءه وكل محاولاته للطمأنة. الخوف الذي اختبرته عمرًا ولا يمكن أن تفارقه في لحظة. تشي بحذرها داخل أحضانه، كقطة ضالة تواجه صعوبة في اعتياد الحنان وتقبله. تحتويها ضلوعه بينما هي مترددة، تعتبرها في لحظات حصن، وتراها أحيانًا قضبان سجن. الضلوع واحدة ووحده الخوف في عينيها يرسم الصورة.

أقول لصديقتي، الفتاة ذات العيون المغمضة مطمئنة. أحسدها؛ لكنني أفضل أن تكون عيناي مفتوحة. لن أهرب من الوجع حين أراه يقترب، لكنني على الأقل لا أريد أن أكون جريحة ومخدوعة. يمكنني أن أتقبل الطعنات بشجاعة ولكنني أكره أن تأتيني وأنا آمنة تمامًا. أكره أن أبكي مرتين، مرة لأنني جرحت ومرة لأنني لم أشك أبدًا.
يمكن الهنا  متداري في صبري عليك

“كان فاضل بس يا دوب.....“

تلك الشعرة التي كان يحافظ عليها ببراعة بين جرحها وإهانتها لم تعد تعرف الآن هل كان يحافظ عليها فعلاً؟ أم أنها كانت توهم نفسها بذلك؟ تزحزح حدودها بخفة.. تخدع نفسها بأنها لم تفعل. وتتصبر بأنه على الأقل لم يهنها وتقرر أن تحتمل..
”... لكن قلبي المغلوب بيخاف ليدوب في ليالي الشوق بعدك"
كانت تشعر بالرعب، من ذلك الفراغ الأسود المخيف في موضع القلب بعد أن تنتزعه.. الإحساس المرعب بطرفك المبتور.. توقف ألم سنتك التي ينخرها السوس لأنها ببساطة لم تعد هناك.. المشوار الطويل الذي تمشيه وحيدة وكانت تتصبر عليه بصوته، التفاصيل التي لا تهم أحدًا سواه.. أو بمعنى أدق، لن يتظاهر سواه بأنها تهمه..

"خليني بقى كده..."

تخلت تدريجيًا عن حلمها معه ببيت وأسرة، وأطفال، تخلت عن الحلم بفستان أبيض، توقفت عن إضافة صورة جديدة لألبوم فساتين الزفاف التي تحلم بارتداء أحدها يومًا.. توقفت عن تخيل شكل بيتهما، عن كتابة اسم ابنتهما التي كانت تصدق بأنها ستوجد يومًا إلى حد الخلاف معه ثلاثة أيام حول اسمها..
أصبحت راضية بتلك المسافة بينهما.. المسافة التي ظنتها قدرية تمامًا كالمسافة بين الشمس والأرض.. تخاف حتى أن تقترب أكثر فتحترق.

تسربت روحها منذ زهدت الفرحة التي آمنت أنها لن تكون من نصيبها طالما قررت أن تكون معه. كانت تتذكر بداية القصة، تتمنى لو تغمض عينيها وتستيقظ لتكتشف أنها كانت في حلم سخيف. لم تكن تخاف النهاية بقدر خوفها من الاضطرار لأن تعيش بداية جديدة. كانت تخاف المشاهد المكررة، المشاعر المكررة، الأوجاع المكررة أيضًا.

".. يمكن الهنا.. متداري في صبري عليك"

ابتسامته، الشوق في صوته، شغفه بها، الضحك من القلب، الاعتذارات التي تبدو عفوية وصادقة جدًا.. كانت تتراقص أمام عينيها كضوء شمعة، تتذكر التفاصيل الصغيرة والتذكارات الصغيرة وتتمتم "يمكن الهنا متداري في صبري عليك".
6 MARCH 2016
الغائب الأحب لقلبك

 

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام سبتمبر."

صدقتُ الأسطورة وانتظرتك. بشكل ما يغمرني في سبتمبر ذلك الشعور بأن البدايات الجديدة ممكنة. ربما لأنه ارتبط دائمًا ببدايات العام الدراسي. ببدايات الخريف. انكسار الحر وانتهاء أيام الصيف القاسية وترقب فصلي الأحب. الرائحة العطرة الخفيفة التي تنتشر في الجو ولسعة البرد المفاجئة في نهايات الليل التي تذكرني أنني بحاجة لوجودك هنا، تدثرني بسترتك وتعتني بي.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام أكتوبر."

يصبح هذا الشهر أكثر جاذبية ورومانسية حين نناديه "تشرين الأول". يذكرني بأغنيات فيروز. الحنين والشجن والعذوبة، والرغبة في الوقوع في الحب الآن وفورًا. لازلت أصدق الأسطورة أيها الغائب وأنتظرك.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام ديسمبر."

من الجيد أن تعود في الشتاء. أو للدقة، من الجيد ألا يعود الشتاء وأنا وحيدة، في انتظارك. أغنيات الحب تكون شهية جدًا في الشتاء، أحتاج لمن أقاسمه إياها. أحب على الأقل أن يكون من حقي التفكير فيك حين أسمع إحداها.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود إليك في أحد أيام فبراير."

 يسميه العالم شهر الحب، وأسميه، من دونك، شهر الحزن والوحدة. أيها الغائب الأحب لا زلت أنتظرك.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام إبريل."

لازلت الغائب الأحب، ولكنني لا أنتظرك.


Sharing your live location!
أود أن أشاركك الإحداثيات الآنية لموقعك في قلبي. الآن أنت في تلك البقعة المشتعلة بالنار. خليط من المشاعر يغلي، لا يمكنني أن أقترب حتى لأتبينه. بالكاد ألمح وجهك ولكنني أعرف أنك هناك من الرائحة. يصلني دخان كلماتك، ومشاعرك المرتبكة وشظايا إشاراتك مزدوجة المعاني.


لا تستقر في النار طويلاً، بعد دقيقة ربما تنتقل إلى تلك البقعة الرمادية الصماء. تتماهى مع كل الأشياء الباهتة هناك، قصص انتهت، أشخاص أذكر بالكاد ملامحهم وأسمائهم، ندوب اختفت وأفكار فقدت شغفي بها.


في الليل حين يخفت ضجيج رأسي ويعلو صوت الحنين، تنتقل إلى ذلك الموضع الهش الذي تصلني عبره كل الطعنات. يتسرب إليّ منه صوتك الخافت، طريقتك العفوية في المغازلة، دعاباتك التي تراها صديقاتي سخيفة وأقع أنا في حبها وأبتسم، خط يديك، نظرتك الطويلة العميقة في عيني، نظرتك الأخرى التي تجعلني أشعر أنك تبتلعني، يدك الافتراضية وهي تحل ضفائري، وحضنك الواسع الذي لم أجربه أبدًا.

أطمئن على موقعك هناك قبل أن أغرق في النوم، فيتغير موقعك مرة أخرى، تتوقف الإشارة لأنك تخرج عن التغطية. تصبح أكبر من المكان ويستقر قلبي بين يديك.
no image

حين أريد أن أنتقم أكتب. أواسي نفسي في مواجهة الخيبات: على الأقل في النهاية سأجد ما أكتبه؛ لكن قصتك المبتورة، كحلم / كابوس استيقظت قبل أن أعرف نهايته، تزعجني. أحاول الكتابة مرارًا وأعلق دائمًا في المنتصف. 

لا أحب أن أقسو عليك حتى في قصة رغم أنني وعدت نفسي مرارًا بأنني سأفعل. أكتب أنك نذل قاسٍ ولكن قلبي يخزني ممتعضًا: لم يكن قاسيًا تماما ربما أسأتِ الفهم، ألا تذكرين تلك المرة التي نضح فيها حنانه رغم غضبه من حماقتك؟".

أسمع لقلبي فأكتب أنني لمحت في عينيك كل ما أنفقت عمري بحثًا عنه فتلكزني كرامتي: إلى متى أحتاج لتذكيرك بأنه أهملك مرارًا كحشرة؟ كم مرة كان وجوده كل ما ينقصك في الدنيا وضن به عليك؟ كم مرة عليه أن يصفعك كي تفيقي؟! 

أتمزق بينهما وأعجز عن الكتابة، تخنقني الحكاية التي لا أعرف لم تنتهي بعد أم لم تبدأ!
يونيفورم

يونيفورم ـ قصة ـ قصص

في غرفة تبديل الملابس التقيا. كان يخلع ملابس العمل بسرعة كالملهوف للخروج من الجحيم. حين يرتديها يشعر أنها تطمس ملامحه، كأنه يدخل آلة للتعبئة والتغليف تثبت عليه ملصقًا وتجعله مجرد جزء من المكان، كالكراسي والطاولات واللافتة البراقة على الواجهة. لا أحد يذكر اسمه على الرغم من البطاقة المعدنية التي تحمله على صدره. هو مجرد قطعة من المكان، غير مرئي كبلاط الأرضية والموسيقى الخافتة في الخلفية.

سلم زميله الوردية وقد تمكن من التنفس أخيرًا بمجرد أن ارتدى ملابسه. البنطلون الذي يحبه والقميص الذي اشتراه مع حبيبته السابقة. كل قطعة ملابس تخصه لها ذكرى حتى لو لم تكن سعيدة لكنها في النهاية تخصه، تشبهه وتجعله مرئيا.

تسلم منه زميله الوردية وقد تنفس بارتياح بعد ارتداء "اليونيفورم". بشكل ما يشعر أنه يختبئ داخله كبدلة رائد فضاء تحمي جسده من الظروف القاسية حوله.

يرتدي "اليونيفورم" ويشعر أن كل ما يحدث لا يمسه، إنما يمس هذه الملابس التي يرتديها. الحديث المتعالي من بعض الزبائن، الانفعال المبالغ فيه من آخرين، حتى توبيخ مديره ليس موجها له بل لهذا الزي الذي يرتديه.

يندهش كيف تتراكم الضغوط عليه ساعة بعد أخرى طيلة الوردية ثم يتلاشى كل شيء حين يخلع ملابسه ويستعد للرحيل. يصبح أكثر خفة، ومرح ويخرج إلى بيته دون أن يحمل أية ضغينة لأحد. يصادف ذلك الرجل الذي صرخ في وجهه قبل ساعات بالمطعم، يشعر أن ملامحه مألوفة وكأنه صديق قديم لكنه لا يذكره بدقة، ينظر له الآخر بتمعن ولديه الشعور ذاته، حين يقتربان يتبادلان ابتسامة خفيفة يحاولان أن يداريا بها عجز الذاكرة ويمضي كلا منهما في طريقه.

سارة درويش

جرح

 كل ليلة أتفقد جرح قطتي، تغمرني الفرحة حين أراه يلتئم، وأشعر أنني فخورة بها لأنها قوية. رأيتها بطلة حين كان جسدها يطرد أثر المخدر في الساعات الأولى وتحاول بعناد أن تمشى رغمًا عن الخدر الذي يسري في أوصالها، وددت لو أضمها بفخر حين انتبهت لصوتي يناديها وحين أكلت قضمتها الأولى من الطعام. 

قطة ـ قطط ـ قطة نائمة

أقول لأمي قلبي نيء لا يحتمل ألمها، لا يحتمل الألم بشكل عام. تقول إنه لين، لين بما يكفي ليسعهم. 

أتمنى لو أن بإمكاني النظر لجرحي بالطريقة نفسها. لو أن أحدهم شرح لي من البداية حجم الجرح وعمقه، أخبرني بلطف أنه سيلتئم بعد هذا القدر من الوقت، وأن كل ما أحتاجه هو أن أعتني بنفسي، وألا أجرب أن ألعقه. وقدم لي  في النهاية مضاد حيوي ومسكن للآلام. 

أتمنى لو كان بإمكاني تفقده كل ليلة، لأطمئن أنني بخير، أنه يتضاءل، يلتئم، ويومًا ما سينسى كأنه لم يكن. 

 عزيزي "X"

أعرف جيدًا كل المبررات التي تسوقها لنفسك لممارسة لعبة الغميضة، تقترب تارة وتبتعد تارة، تلعب دور العجوز الحكيم مرة، والطفل الحرون مرة، واللامبالي المتعالي غالبًا. أضع لك بدلًا من المبرر عشرة آلاف يا عزيزي؛ أحتقرها كلها، ولازلت أحبك.

في هذه اللحظة يصلني صوت وردة من المقهى القريب تعترف "أكدب عليك إن قلت بحبك لسة أكدب عليك.. وأكدب عليك إن قلت نسيتك همسة أكدب عليك.. أومال أنا إيه؟ قول بس أنا إيه؟ اختار لي بر وأنا أرسى عليه". 

عزيزي إكس ـ احبك أكرهك

كانت هذه حالتي قبل شهور يا عزيزي، كنت مستعدة تمامًا أن أقف في الموضع الذي تختاره لي، كطفلة مهذبة أو تلميذة نجيبة، لكن في كل مرة أسمح لك أن تختار لي "بر أمشي عليه" كنت تتركني أغرق، أنت حتى لا تريد أن تتحمل مسؤولية اختيار مكاني في حياتك، تستمتع بالرؤية الضبابية، بالمساحة الرمادية، لتتمكن من التنصل في أي لحظة وتتهمني بإساءة الفهم. 

الآن بدلاً من أن يتمزق قلبي مع الأغنية، أشفق على المسكينة التي لا يزال أمامها مشوار طويل من المشي على الهوامش،  قبل أن تغادر الصفحة تمامًا وتعرف أنها أبدًا لن تنتقل إلى المتن.

هل كنت ضعيفة حين تركتك تختار البر؟ كنت ضعيفة ربما أو يائسة لدرجة أن أترك لك الدفة ربما تحدث المعجزة وننجو. ربما تركت لك الدفة كى لا ألوم نفسي أبدًا على الوجهة التي نصلها. لكي أغادر وأنا ممتلئة باليقين أنني منحت قلبي الفرصة كاملة ولا يوجد ما يستحق أن أنظر إليه خلفي. 

أعرف الآن بوضوح "أنا إيه".. اخترت بري ومرساي يا عزيزي وأرفضك بكل عقلي، بنفس قوة حبي لك. لا يختار إنسان مشاعره يا حبيبي المتلاعب، لكن يختار لأي صف ينحاز. انحزت لك كثيرًا يا حبيبي، وقد حان الوقت لأختار صفي. حان الوقت لأتحيز للوضوح والمصارحة الجلية بلا ظلال وتواريات، لأتحيز لفعل يبني عليه، لا خلخلة تزلزل سلامي.

 أنا أكره ترددك وأنانيتك، ولازلت أحبك...وأرفضك.

إهداء لكل نساء العالم خائبات الأمل في رجال لا يجيدون الرجولة.


نص مشترك ريم وجيه وسارة درويش 

كنت سيئًا في كل الاحتمالات..

لم أطمع في أكثر من أن أقترب منك أكثر كي يمكنني أن أنساك أو أكرهك، ككل أمنياتي التي تحققت وتحولت لعنة. 

تعرف أن الوقت والمسافات بإمكانهما تغيير كل شيء، وأنت بارع جدًا في هذه اللعبة. في الوقوف على تلك المسافة البعيدة بما يكفي لتؤجج حنيني ولا تجعلك بعيدًا عن القلب.


 أنت بارع أيضًا في اللعب بالكلمات، تعرف كيف تخلق لغزًا من عدة حروف عادية جدًا، تكتب حرفًا وتخبئ الآخر وتتركه لخيالي، أما مفتاح الحل فهو عبارة محملة بالاحتمالات ليس لها إجابة وحيدة واضحة.

رغم ذلك لم أغضب أبدًا منك، كنت أفهم كل هذه الفوضى في داخلك وأرى ذلك الطفل الوحيد المرعوب الذي يشبه الأشباح في القصص، يخاف أن يفنى فيترك عشرات الألغاز لسكان البيت الجدد، لا ليرعبهم أو يؤذهم وإنما ليقول "كنت هنا، لازلت هنا لا تنسوني".

لم أغضب ربما لأنني مثلك، أحببت اللعبة لأنها كانت تعني "أنني هنا"، التقطت كل تلك الألغاز والألعاب بفرحة غرباء مفقودين في البحر لوحوا طويلاً للسفن البعيدة واقتربت إحداها أخيرًا بعد أن فقدوا الأمل الأخير بثوان.

كنت فقط أتساءل عن سبب رعبك المحموم من أن أقترب، تأرجحت الاحتمالات بتأرجح مشاعري، وإحساسي بالثقة. مرة قلت بيقين كامل إنك ابتعدت لأنك أحببتني. لأنك تخشى عليّ من نفسك، ولأنك تخجل أن أنظر لكل هذا القبح داخلك. 

ومرة قلت إنك ابتعدت لأنك نظرت للقبح داخلي، لأنك وجدتني بسيطة وعادية وواضحة، أحجية سهلة لا تستحق أن تنفق وقتًا في محاولة حلها لأنك قرأت كل الإجابات بالفعل على جبيني. ومرة فكرت في أن هذا هو ما تفعله دائمًا، تقترب حتى تضع المصيدة، تراقب باهتمام حتى تسمع رنة بابها، ثم تنصرف لتضع مصيدة جديدة وهكذا. 

كنت سيئًا في كل الاحتمالات ولكنني لم أتوقف عن حبك. وكانت هذه لعنتي.
15 أكتوبر
القطط تحب البيت نظيفًا. كلما انتهيت من ترتيب غرفة تدخل قطتي بخطوات حذرة، تتشممها بعناية كأنها تتأكد أنني أتممت عملي على أكمل وجه، وتتفقد ما تغير فيها ثم أشعر أنها تبتسم بسعادة وهي تتمرغ في الأرض تعبيرًا عن فرحتها بالنظافة والنظام، فأشعر تلقائيًا بالراحة كأن ربة المنزل صعبة الإرضاء أثنت على عملي.

مثلها أحب تلك اللحظة حين أنتهي من ترتيب البيت وأنا أشعر بالتعب. أشم بقايا رائحة المنظفات على الأرضية وهي تمتزج مع رائحة المفروشات النظيفة، الطازجة. أشعر بأن كل المجهود الذي أبذله فيه يأكل سخطي وغضبي.

تشبهني القطط أو أشبهها، ففي المقابل، كلانا يوزع سخطه وإحباطه على البيت. حين أغيب طويلاً عن البيت يعاقبونني بفوضى في كل مكان، يزيحون المفارش، يسرقون الجوارب من سلة الملابس ويخفونها، يتسللون أسفل الملاءات ويخوضون معارك ضارية عبرها. يسقطون المنشفة أرضًا ويقضمون ما يمكنهم الوصول إليه من مناديل. حين أعود أتقبل كل فوضاهم بابتسامة، أراها في الحقيقة فعل حب.

حين أكون محبطة، أشاركهم نشر الفوضى في المنزل. أستمتع بأن هناك مساحة يمكنني ألا أكون فيها مثالية، يمكنني أن أمارس فيها ترف الإهمال والتمرد على المفروض والواجب دون أن تكون العواقب وخيمة، دون أي عواقب من الأساس. أنشر فوضاي ثم أرتبها وكأنني أقول لنفسي لا بأس، يمكنك دائمًا إصلاح كل شيء. مهما ساءت الأمور ستأتي تلك اللحظة حين تعيدين بيتك نظيفًا، وترتمين على أريكتك المفضلة بجسم متعب يشعر أنه الآن يستحق الراحة عن جدارة.

المزيد ..