أبحث عن..

يونيفورم ـ قصة ـ قصص

في غرفة تبديل الملابس التقيا. كان يخلع ملابس العمل بسرعة كالملهوف للخروج من الجحيم. حين يرتديها يشعر أنها تطمس ملامحه، كأنه يدخل آلة للتعبئة والتغليف تثبت عليه ملصقًا وتجعله مجرد جزء من المكان، كالكراسي والطاولات واللافتة البراقة على الواجهة. لا أحد يذكر اسمه على الرغم من البطاقة المعدنية التي تحمله على صدره. هو مجرد قطعة من المكان، غير مرئي كبلاط الأرضية والموسيقى الخافتة في الخلفية.

سلم زميله الوردية وقد تمكن من التنفس أخيرًا بمجرد أن ارتدى ملابسه. البنطلون الذي يحبه والقميص الذي اشتراه مع حبيبته السابقة. كل قطعة ملابس تخصه لها ذكرى حتى لو لم تكن سعيدة لكنها في النهاية تخصه، تشبهه وتجعله مرئيا.

تسلم منه زميله الوردية وقد تنفس بارتياح بعد ارتداء "اليونيفورم". بشكل ما يشعر أنه يختبئ داخله كبدلة رائد فضاء تحمي جسده من الظروف القاسية حوله.

يرتدي "اليونيفورم" ويشعر أن كل ما يحدث لا يمسه، إنما يمس هذه الملابس التي يرتديها. الحديث المتعالي من بعض الزبائن، الانفعال المبالغ فيه من آخرين، حتى توبيخ مديره ليس موجها له بل لهذا الزي الذي يرتديه.

يندهش كيف تتراكم الضغوط عليه ساعة بعد أخرى طيلة الوردية ثم يتلاشى كل شيء حين يخلع ملابسه ويستعد للرحيل. يصبح أكثر خفة، ومرح ويخرج إلى بيته دون أن يحمل أية ضغينة لأحد. يصادف ذلك الرجل الذي صرخ في وجهه قبل ساعات بالمطعم، يشعر أن ملامحه مألوفة وكأنه صديق قديم لكنه لا يذكره بدقة، ينظر له الآخر بتمعن ولديه الشعور ذاته، حين يقتربان يتبادلان ابتسامة خفيفة يحاولان أن يداريا بها عجز الذاكرة ويمضي كلا منهما في طريقه.

سارة درويش