أبحث عن..

Showing posts with label نصوص. Show all posts
Showing posts with label نصوص. Show all posts
no image
لا أحد يقول الحقيقة عن الحب أبدا. كأن هناك اتفاقا سريا بين كل من عرفوا سر نجاحه أن يخفوه للأبد. نحكي كثيرا عن الخيبات، عن كل الطرق التي سلكناها ولم يكن علينا أن نفعل. عن كل العيوب التي قادته إلى الموت المبكر أو حتى البطيء؛ لكننا لا نتحدث أبدا إذا نجح الأمر، وكل من يحاول الحديث عنه نراه متباهيا مدع غير صادق.

أحاول اكتشاف السر، أن أتعلمه من أشياء أقرب، وربما أصدق. أرى الحب مرة كنبتة. اسأل: ماذا يحتاج النبات ليعيش؟ أجيب من واقع التجربة: الكثير من الرعاية ونسبة كافية من الضوء وكل الوقت اللازم. أشبه الاهتمام بالماء. كل نبتة تحتاج قدرا مختلفا من الماء، كما تحتاج كل علاقة قدر مختلف من الاهتمام. قدرا يناسبها. لا توجد قاعدة واحدة تسري على الجميع. القاعدة الوحيدة هي أن الإفراط في الماء كالبخل به، كلاهما قاتلان. بعض النباتات قادرة على احتمال إهمالك لبعض الوقت، تذبل، تذوي، لكنها بمجرد أن ترويها مرة أخرى تزدهر كأن شيئا لم يكن. بعض النباتات يكفيها خطأ واحدا لتموت للأبد.

أقف لأطهو، فأرى الحب طبخة تحتاج لتنجح نية طيبة ومقادير دقيقة والوقت المناسب. في مرحلة تحتاج التمهل، كل استعجال في تحضيرها أو نضجها ينفضح بالكامل من أول قضمة، فهي بكل بساطة تكون "ماسخة". تحتاج كل أكلة وقت كاف لتنسجم مكوناتها بذلك الشكل السحري الذي يمنحها القليل من النكهة ويحتفظ في الوقت نفسه بمذاقها الأصلي. تحتاج كل أكلة للتوابل أو البهارات الصحيحة. من العبث أن تأكل اللحوم الحمراء أو السمك بتوابل الدجاج، هل تتخيل الطعم؟ سيكون المذاق مشوها بالطبع، حتى أنفك سترتبك.

أتعلم الكثير من الدروس عن الحب من قططي. أعشق استقلاليتها، دلالها، ثقتها بنفسها، واهتمامها بها كأنما الكون كله يدور حولها. أرى الحب على طريقتهم بسيطا ومباشرا ومريحا لجميع الأطراف. في هذه اللحظة أريد قربك فأقترب، في لحظة أخرى يكفيني أن أكون في نفس الغرفة التي يدور بها ذات الهواء الذي تتنفسه. أغار فأخمشك، أريد الاهتمام فأطلبه، يتقلب مزاجي فلا أتكلف الابتسام. يتحسن فأملأ الدنيا مرحا. الحب على طريقة القطط لا يعترف بالمعايير ولا القوانين، يتطلب فقط أن تتبع حدسك وتتمتع بالكثير من الثقة في أنك تستحق الحب.

سارة درويش
17 يونيو 2022 
no image


ماذا تعرف عن قطة
لا تنظف صندوق فضلاتها؟
هل هو ممتلئ أكثر من اللازم؟
فارغ أكثر من اللازم؟
ما تلفظه أمعاءها..
لين؟ صلب؟ مدمم؟
هل تتألم؟
هل تتجاوز الحدود متعمدة
احتجاجا على إهمالك؟
أو ربما غيرة؟
كل ليلة..
حين تمنحك ابتسامتها
والكثير من الحب..
وخرير طمأنينة..
تظن الأمور على ما يرام.
ولكن
- لأنك لا تنظف صندوق فضلاتها -
لن تنتبه
إلا حين تتوقف فجأة
عن الأكل..
عن اللعب
عن الحياة
لن تنتبه أبدا
قبل فوات الأوان
أنها منذ وقتٍ لا تعلمه
كانت تتألم.
وكان بوسعك
- لو أنك عرفت -
إنقاذها!

سارة درويش
نوفمبر 2021
إلى حبيبي الغاضب.. كثيرًا
لوحة مرسومة بالذكاء الاصطناعي


 يا حبيبي 

الغاضب كثيرًا

لا أعرف شيئا 

عما أوجعك

لا أعرف كيف أرد

حين تخبرني 

كم هي الحياة قاسية

مخادعة 

وقبيحة

لأني أنسى..

أنسى وأنا أسمعك..

كل ما آلمني..

كل خيباتي..

كل ما جعلني أبكي..

حين ربت علي لأول مرة

وكل ما يجعلني أبكي..

حين أذكر الحنان في عينيك

أصمت لأنني أشعر أني حصينة في وجودك

لأني أمتن لطرقنا 

المليئة بالشوك

التي وضعت كلانا في النهاية

في طريق الآخر

التي تركتنا..

متعبان وجريحان

بما يكفي

ليشعر كلانا بوجع الآخر

بحجم ألمه

يا حبيبي الغاضب

المتعب

المحبط

الجريح

أنا أصمت

 لأني أعجز عن إنكار ألمك

وعن مداواته

ولا فكرة لدي

عن الطريقة التي يمكن لأحدنا

أن يشفي بها الآخر

سوى بأن يكون هنا

حين يكون بحاجة

لمن يخبره

أنه غاضب ومتعب 

وأن الحياة قبيحة

وخادعة

مكالمة
"يا آنسة ممكن تليفونك أعمل مكالمة". ها أنا ذا أتعرض أخيرًا لمحاولة السرقة التي حذروني منها كثيرًا! طبعًا لن أنخدع بهذه الحيلة القديمة التي أندهش أنهم لا يزالوا يمارسونها. دارت هذه الأفكار ببالي، بينما فوجئت بنفسي أقدم لها هاتفي باستسلام حذر.

كنا عبرنا للتو شارعًا واسعًا تعبره السيارات بسرعة مخيفة، كانت تسبقني بخطوة ثم التفتت إليّ وطلبت الهاتف فورًا دون الكثير من التفكير، دون حتى نظرة متفحصة تحاول أن تسبر بها أغواري وتقيم الشخص الذي تطلب منه هذا الطلب. خرجت الكلمات من فمها باندفاع بمجرد أن التقت عينانا وكأنها جاهدت نفسها طويلاً ثم قررت أن تطلبه من أول شخص تقع عيناها عليه، أيا كان.

لا أعرف هل سلمتها الهاتف لأن وجهها كان يائسًا جدًا، أو لأنني لم أكن معتادة أبدًا على رفض أي طلب، وربما فقط لأنني أبحث دائمًا عن بعض الإثارة في حياتي المملة.

التقطت الهاتف بلهفة مع ابتسامة امتنان قصيرة. ووقفنا في الممشى العريض بين الشارعين. حرصتْ أن تقف في جانب منزوِ، لا أعرف لطمأنتي إلى أنها لن تهرب أم لأنها تشعر أنها بحاجة للاختباء لثقل الموقف عليها.

طلبتْ الرقم الذي تحفظه عن ظهر قلبٍ وأنا أمامها، أقف متحفزة مستعدة لمحاولة اللحاق بها فور أن تقرر الجري لتهرب بهاتفي.
حسبتُ الخسائر سريعًا في ذهني: ماذا يحدث إذا لم ألحق بها؟ كان الهاتف قديمًا على أي حال وأفكر في تغييره. ثم إني قريبة من بيتي ويمكنني أن أحذف كل بياناته عن بعد. ليس عليه ما أخشى ضياعه لأنني اعتدت على سرقة هواتفي فأحتفظ دائمًا بنسخة احتياطية من كل شيء. حسنًا لن تكون كارثة كبيرة.
طلبتْ الرقم أكثر من مرة وانتظرت الرد طويلاً واللوعة تملأ عينيها، لكن الرد لم يأتِ أبدًا. بدأت أتملل في وقفتي في إشارة إلى رغبتي في الرحيل، فبدأ توترها يزداد وكادت الدموع تفطر من عينيها. سلمتني الهاتف وهي تجرب مرة أخيرة لكنه لم يرد. سألتها وأنا ألتقطه منها: "لو صاحب الرقم اتصل أقوله حاجة؟" لم أكن أقصد المضايقات أو أي شيء من هذا القبيل، إنما فقط تعاطفت معها وشعرت أن لديها رسالة ملحة تريد أن توصلها، لكنها ردت بأسى"هو أصلاً عمره ما هيتصل.. ما تخافيش".
سبقتني بخطوة مرة أخرى وهي تعبر الشارع بيأس شخصٍ ليس لديه ما يخشى فقدانه. قادنا القدر لركوب سيارة الأجرة ذاتها، فلمع في عينيها أمل جديد "ممكن تجربي تطلبي الرقم تاني؟"، قالتها باستجداء لم يمكنني مقاومته. لبيت طلبها مرة ثم أخرى، ثم انتبهت إلى أن الرقم مشغول بمكالمة أخرى.
لا أعرف لماذا تعاطفت معها. كنت في البداية أظنها تواجه موقفًا طارئًا وتريد أن تخبر شخصًا ما بمكانها بعد نفاد رصيدها، لكن مع الوقت فكرت أنها ربما عاشقة تطارد حبيبًا هاربًا أفقدها صوابها. انحزت لكرامتها لدرجة أنه حين اتصل الرقم مرة أخرى لم أخبره بشأنها، إنما ادعيت أنه رقم صيدلية وأن رجلاً عجوزًا متوعكًا هو من طلب هذا الرقم بإلحاح ليأتي ابنه ويصحبه.
no image

 "إذن من الجاني؟" قلتها وأنا أرفع رأسي لأواجهه عينيه بنظرة ممتلئة بالحيرة والترقب. لم أكن فقط بحاجة إلى متهم أصب عليه كل غضبي وحنقي لما تحملته من ألم وقلب حياتي رأسًا على عقب طيلة أسبوع كامل، ولكنني كنت بحاجة لمذنب أقصيه عن حياتي فأشعر بالأمان. شيء محدد أعرف أنني سأكون آمنة معافاة طالما أنا بعيدة عنه.

"هذا سؤال تجيبينه أنتِ" رد؛ وأسقط في يدي. أخبرني أنه لكي أعرف المذنب عليّ أن أراجع نسيج حياتي بدقة، أمرر حتى أدق التفاصيل تحت عدسة مكبرة لأعرف أين الخلل. لتسهيل مهمتي، أوصاني أن أشك أولاً في كل الدخلاء الجدد، أشك حتى في كل ما هو مألوف ومعتاد فربما تغير شيء فيه دون أن أعرف. كان هذا مربكًا ومخيفًا. كشخص يستمد أمانه من الروتين لم يكن هناك الكثير من الدخلاء في حياتي، وكانت فكرة الاضطرار لاستبعاد واحد من الأشياء التي اعتدتها لشهور أو ربما لسنوات مرعبة. أعرف أن كل شيء في حياتي مهم بالنسبة لي حتى لو لم يبد كذك . أعرف كشخص سهل التعلق أنه حتى لو لم يكن مُهِمًّا سيكون التخلي عنه صعبًا لأن ارتباطي النفسي يمكن أن يضفي على أي شيء أهمية متوهمة.

عدت إلى البيت محملة بأدويتي وشكوكي. الارتياب في كل شيء دفعني للانزواء في ركنٍ من سريري. أتذكر تعليقه "يمكن أن يكون شيء قريبًا جِدًّا منك، حتى ملاءاتك نفسها يمكن أن تكون هي السبب". يتضاعف شعوري بعدم الراحة في السرير. تنعدم رغبتي في تناول الطعام. فواحد من هذه الأطعمة التي أحبها جِدًّا، واحد من تلك الخيارات المحدودة جِدًّا التي أدور في فلكها منذ سنوات، ربما يكون هو المتهم وهو المتسبب في ثورة جلدي ضدي. أقتات القليل من الفواكه المجففة كلما قرصني الجوع مذكرًا إِيَّايَ بأنه علي أن أمد جسدي ببعض الطاقة ولا أكتفي بإجهاده بالأدوية. أبتلع قطعة تلو أخرى بتروٍّ وأنا متوجسة. ما أدراني أنها آمنة؟ أبتلعها وأجلس ساكنة بضع دقائق. أراقب حرارة جسدي، أترقب بدء لدغات النمل أسفل جلدي. أفتح الكاميرا الأمامية وأتفقد وجهي. أشعر بالراحة حين لا يتغير شيء فأزدرد قطعتين إضافيتين لسد جوعي.

أؤجل قدر الإمكان المهمة الثقيلة لإجراء كشف حساب لحياتي اليومية كي أكتشف سبب الحساسية. أتمنى من الله ألا أضطر لتغيير أي شيء في حياتي. آمل أن تكون الحرارة المرتفعة وحدها هي السبب. تنخفض درجات الحرارة قليلاً، أفرح لأن جسدي أصبح أهدأ، أقول لنفسي "كانت الحرارة السبب" ثم أتذكر تلك المعلومة العابرة في محاضرة التسويق الإلكتروني "لن تحصل أبدًا على نتيجة مفيدة عند إجراء تجربة A/ b test إذا غيرت عنصرين في نفس التجربة، ينبغي أن يتغير عنصر واحد فقط لتحصل على إجابة دقيقة" تخفت فرحتي فقد كانت هناك العديد من المتغيرات دفعة واحدة، انخفضت الحرارة وصمت تقريبًا عن الطعام وقاطعت كل مستحضرات التجميل والعناية التي أستخدمها. هناك الكثير من المتغيرات التي يستحيل معها الحصول على إجابة دقيقة، وهناك الكثير من الخوف من الألم داخلي يمنعني من المقامرة بالعودة لأي منهم وتحمل ثورة جديدة من جلدي. هكذا أجلس في صمت. أكتفي بالإيقاف المؤقت لكل شيء تقريبًا، آملة أن ينتهي كل شيء فجأة كما بدأ فجأة وقد أصبحت زاهدة تمامًا في التعرف على الجاني.

5 طرق مضمونة لتكوني جميلة بدون مجهود

 "5 طرق مضمونة لتكوني جميلة بدون مجهود.. أولاً لا تنامي أبدًا بالمكياج" حسنًا، هذا سهل. تذكرت المقال حين ارتطمت عيني بالمرآة، هممت بإزالة المكياج الذي أتقنت تطبيقه حقًا. أنفقت ساعة ونصف وأنا أتفنن فيه وأجرب كل تلك المستحضرات باهظة الثمن التي أدخرها للأحداث المهمة وأتجاهلها في إطلالتي اليومية. كنت ممتلئة بالطاقة وأنا أستعد لذلك الحفل بحماس، لكنني لم أمكث فيه أكثر من ربع الساعة. كانت الأغاني صاخبة جدًا ولا أعرف نصفها. توترت  مع مشاهدة ذلك العدد الكبير من الأشخاص المندمجين مع الحفل والموسيقى بدرجة لن يمكنني مجاراتاها في حياتي. 

انزويت على إحدى الطاولات متظاهرة بالانشغال بتصفح هاتفي، ولكن الحقيقة أنني مشغولة بالتفكير في المتعة التي كنت سأحظى بها لو قررت البقاء في البيت ولزمت سريري الدافئ مع فيلم ممتع أو حتى حدقت في الفراغ. جربت أن ألتقط صورة سيلفي خلسة ولكن الطاولة المجاورة لي شغلت فخجلت. حين حسمت أمري وقررت المغادرة صادفت اثنتين أعرفهما لكنني خجلت أن أطلب من إحداهما أن تلتقط لي صورة. هكذا ضاعت هذه الإطلالة الرائعة دون أي توثيق. 

قبل أن أزيل المكياج جربت أن ألتقط عدة صور قبل أن أودع رسمة العين المتقنة في صدفة نادرة إلا إنني وجدت فكرة التقاط صورة بكامل مكياجي وإطلالة شبه رسمية داخل المنزل سخيفة كمن يجلس على حمام السباحة مرتديًا بدلة توكسيدو سوداء. 

قررت أن أؤجل تنفيذ النصيحة الأولى لأكون امرأة جميلة بدون مجهود. قررت أن أخرس معدتي التي بدأت تئن أولاً ثم أتولى أمر المكياج. منذ طفولتي وأنا أحب من وقتٍ لآخر أن أتظاهر بأنني مدعوة على العشاء في مطعم فاخر كلاسيكي. أعد المائدة كأنها في مطعم خمس نجوم، أخرج مناديل السفرة المطرزة التي نادرًا ما نستخدمها. أرتب أدوات المائدة بعناية. وأخيرًا أضع الأطباق وأحدث نفسي في موضوعٍ مهم. كان مكياجي الرائع يلائم هذه الأجواء بشدة. استمتعت بالطعام الساخن ومذاقه الشهي بشدة. كل طعام يكون شهيًا وقت الجوع، ولكن، ورغم أن شهادتي مجروحة بالطبع، لقد أجدت الطهي فعلاً هذه المرة. كانت الأمسية رائعة حتى وقفت فكرة في حلقي: لماذا لا يمكنك الاستمتاع بالحياة كما يفعل الآخرين يا سارة؟ لماذا تفضلين الوحدة على أي تجربة أخرى مهما كانت رائعة؟ كان اليوم فرصة مثالية لتكتسبي معارف جدد وتوسعي شبكة علاقاتك التي تعرفين كم هي مهمة! لماذا تتوقعين أن يبذل أحدهم جهدًا ليعرفك بينما أنتِ منطوية على نفسك تظهرين دائمًا أنك مكتفية من هذا العالم وليس لديكِ طاقة ولا وقت لمعرفة المزيد؟ لماذا يمنحك أحدهم اهتمامًا لا يتوقع أن تبادليه إياه؟ حسنًا لقد فسدت الأمسية تمامًا. 

لم أكمل طعامي. شعرت فجأة أن كل هذا محض سخف. لست مدعوة في مطعم فاخر. في الواقع أنت تتناولين الطعام وحيدة. تضعينه على طاولة قابلة للطي وضعتيها أمام أريكة الانتريه. وأدوات المائدة ليست مرتبة بطريقة صحيحة، وفي الواقع أنتِ تكرهين استخدامها أو للدقة تتكاسلين عن ذلك وتفضلين تناول كل طعامك بشوكة أو ملعقة واحدة. 

رفعت المائدة ودخلت لأغسل فمي ووجهي لأنام. لقد قالوا يجب أن نزيل المكياج ولم يشترطوا إزالته بالسائل المخصص والقطن، سأستخدم الغسول أو في أسوأ الأحوال الصابون. في الحمام وقفت أمام الحوض. غسلت فمي. استخدمت المضمضة بدلاً من الفرشاة والمعجون لأنني أصبحت فجأة فارغة من الطاقة. أمسكت بالغسول ثم أعدته مكانه. سأكتفي بغسل وجهي بالصابون وحسب. أنا بالفعل غسلت نصف وجهي أثناء غسلي لفمي. نظرت مرة أخرى للمرآة، رسمة العين المتقنة. للفرق بين ذلك الجزء من بشرتي الذي يتقاطر منه الماء والجزء الذي يبدو مثاليًا بعد أن أخفيت كل عيوبه. أحسست بالخطوة ثقيلة وسخيفة. وذلك الترهيب من النوم بالمكياج بدا مزعجًا. جففت فمي وخرجت لأندس في سريري وأنام. الخطوة الأولى ليست سهلة. لن يمكنني أبدًا أن أكون جميلة بدون مجهود.



#تحدي_الكتابة_شبه_اليومي
يمكن..لو!

 



كل يوم يزداد عدد أصدقائنا المشتركين واحدًا، وتزداد بيننا المسافة اتساعًا. أفتقدك كل يوم، وأتفقدك كل ساعة. أو بمعنى أدق، أتفقد تلك النسخة منك التي يراها الجميع ولا تشبهك أبدًا؛ لكنني أتصبر بها على هجرك. 


أتفقد تلك النكات المختلسة، الصور الغريبة لعشاق لا يشبهونك، الكلمات الجريئة التي تناقض جبنك، وحتى الغلظة التي تدعيها لإخفاء هشاشتك.

لا أفهم كيف يمكن أن أعرفك جيدًا ولا أعرفك أبدًا في الوقت ذاته. أنا أعرف كل ما لست عليه، كل ما هو ليس أنت، ولا أعرف حقًا من تكون! 

تنصحني صديقتي بأن أتجاوزك فأقسم أنني أحاول، لكنك في قرارة قلبي، لا تغادرني أبدًا ولا أفقد الأمل في أن ذلك الرابط الخفي بيني وبينك، ذلك الطيف الذي لا يرحل أبدًا، يلوح ببداية جديدة يومًا ما! 




عيون مغمضة.. عيون مفتوحة
للوحة التي أحب نسختين، واحدة بعينين مغمضتين والأخرى بعيون مفتوحة. أحب أن أتحدث عنها كلما رآها أحد. أشرح أن لكل منهما معنى.



تقول عيناها المغمضة في أحضانه إنها مطمئنة. تشعر الآن بالسكينة والسكن وتحاوطها ضلوعه كحصن.

تشي عينا الأخرى المفتوحة بخوفها. خوفها الذي يتجاوز احتواءه وكل محاولاته للطمأنة. الخوف الذي اختبرته عمرًا ولا يمكن أن تفارقه في لحظة. تشي بحذرها داخل أحضانه، كقطة ضالة تواجه صعوبة في اعتياد الحنان وتقبله. تحتويها ضلوعه بينما هي مترددة، تعتبرها في لحظات حصن، وتراها أحيانًا قضبان سجن. الضلوع واحدة ووحده الخوف في عينيها يرسم الصورة.

أقول لصديقتي، الفتاة ذات العيون المغمضة مطمئنة. أحسدها؛ لكنني أفضل أن تكون عيناي مفتوحة. لن أهرب من الوجع حين أراه يقترب، لكنني على الأقل لا أريد أن أكون جريحة ومخدوعة. يمكنني أن أتقبل الطعنات بشجاعة ولكنني أكره أن تأتيني وأنا آمنة تمامًا. أكره أن أبكي مرتين، مرة لأنني جرحت ومرة لأنني لم أشك أبدًا.
يمكن الهنا  متداري في صبري عليك

“كان فاضل بس يا دوب.....“

تلك الشعرة التي كان يحافظ عليها ببراعة بين جرحها وإهانتها لم تعد تعرف الآن هل كان يحافظ عليها فعلاً؟ أم أنها كانت توهم نفسها بذلك؟ تزحزح حدودها بخفة.. تخدع نفسها بأنها لم تفعل. وتتصبر بأنه على الأقل لم يهنها وتقرر أن تحتمل..
”... لكن قلبي المغلوب بيخاف ليدوب في ليالي الشوق بعدك"
كانت تشعر بالرعب، من ذلك الفراغ الأسود المخيف في موضع القلب بعد أن تنتزعه.. الإحساس المرعب بطرفك المبتور.. توقف ألم سنتك التي ينخرها السوس لأنها ببساطة لم تعد هناك.. المشوار الطويل الذي تمشيه وحيدة وكانت تتصبر عليه بصوته، التفاصيل التي لا تهم أحدًا سواه.. أو بمعنى أدق، لن يتظاهر سواه بأنها تهمه..

"خليني بقى كده..."

تخلت تدريجيًا عن حلمها معه ببيت وأسرة، وأطفال، تخلت عن الحلم بفستان أبيض، توقفت عن إضافة صورة جديدة لألبوم فساتين الزفاف التي تحلم بارتداء أحدها يومًا.. توقفت عن تخيل شكل بيتهما، عن كتابة اسم ابنتهما التي كانت تصدق بأنها ستوجد يومًا إلى حد الخلاف معه ثلاثة أيام حول اسمها..
أصبحت راضية بتلك المسافة بينهما.. المسافة التي ظنتها قدرية تمامًا كالمسافة بين الشمس والأرض.. تخاف حتى أن تقترب أكثر فتحترق.

تسربت روحها منذ زهدت الفرحة التي آمنت أنها لن تكون من نصيبها طالما قررت أن تكون معه. كانت تتذكر بداية القصة، تتمنى لو تغمض عينيها وتستيقظ لتكتشف أنها كانت في حلم سخيف. لم تكن تخاف النهاية بقدر خوفها من الاضطرار لأن تعيش بداية جديدة. كانت تخاف المشاهد المكررة، المشاعر المكررة، الأوجاع المكررة أيضًا.

".. يمكن الهنا.. متداري في صبري عليك"

ابتسامته، الشوق في صوته، شغفه بها، الضحك من القلب، الاعتذارات التي تبدو عفوية وصادقة جدًا.. كانت تتراقص أمام عينيها كضوء شمعة، تتذكر التفاصيل الصغيرة والتذكارات الصغيرة وتتمتم "يمكن الهنا متداري في صبري عليك".
6 MARCH 2016
الغائب الأحب لقلبك

 

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام سبتمبر."

صدقتُ الأسطورة وانتظرتك. بشكل ما يغمرني في سبتمبر ذلك الشعور بأن البدايات الجديدة ممكنة. ربما لأنه ارتبط دائمًا ببدايات العام الدراسي. ببدايات الخريف. انكسار الحر وانتهاء أيام الصيف القاسية وترقب فصلي الأحب. الرائحة العطرة الخفيفة التي تنتشر في الجو ولسعة البرد المفاجئة في نهايات الليل التي تذكرني أنني بحاجة لوجودك هنا، تدثرني بسترتك وتعتني بي.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام أكتوبر."

يصبح هذا الشهر أكثر جاذبية ورومانسية حين نناديه "تشرين الأول". يذكرني بأغنيات فيروز. الحنين والشجن والعذوبة، والرغبة في الوقوع في الحب الآن وفورًا. لازلت أصدق الأسطورة أيها الغائب وأنتظرك.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام ديسمبر."

من الجيد أن تعود في الشتاء. أو للدقة، من الجيد ألا يعود الشتاء وأنا وحيدة، في انتظارك. أغنيات الحب تكون شهية جدًا في الشتاء، أحتاج لمن أقاسمه إياها. أحب على الأقل أن يكون من حقي التفكير فيك حين أسمع إحداها.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود إليك في أحد أيام فبراير."

 يسميه العالم شهر الحب، وأسميه، من دونك، شهر الحزن والوحدة. أيها الغائب الأحب لا زلت أنتظرك.

....

" الغائب الأحب لقلبك سيعود في أحد أيام إبريل."

لازلت الغائب الأحب، ولكنني لا أنتظرك.


مرة واحدة للأبد..

 بالأمس أصلحت عطبًا في ساعة اليد التي اشتريتها يوم ميلادي. شعرت بالفخر والإنجاز حتى كدت أصفق لنفسي من السعادة. ارتديتها وأنا أشعر أنها الآن أجمل وأقرب لقلبي من أي وقتٍ سابق. كانت فيما مضى ساعة جيدة، قبل أيام كانت ساعة تالفة. الآن هي ساعة أصلحتها بيدي.

قبل أيام كنت أفكر كيف كان يزهو بكونه لا يبذل جهدًا في إصلاح أي شيء. يقول إن الغال ثمنه فيه، يشتري الغالِ وينتظر منه أن يدوم للأبد. لا يعترف بأثر الزمن، بالسهو، ولا بالخطأ البشري. يريد أن يدفع الثمن مرة واحدة للأبد. امتلأ البيت بالزجاج المكسور والخشب المتهالك والمصابيح التالفة، وهو متمسك بنظريته.
حين أصبح زواجنا معطوبًا لم يحاول إصلاحه، ولم أحاول إصلاحه، ودفعت ثمن حريتي غاليًا، مرة واحدة للأبد.
كلمات عادية تصبح ألطف في المشفى

في طابور الاستقبال الطويل، كنت أشعر بالتوتر من جو المشافى المقبض، ورائحة المطهرات الخانقة، والقلق الذي لا يرحم. بين الوجوه المتعبة المرتبكة رأيتهما، عجوز سبعيني أو ستيني ربما، ترك زوجته تستريح على المقعد حتى يحجز لها موعدًا. هو يعرف عنها كل شيء، فكان ملء الاستمارة الروتينية بالنسبة له سهلاً، يحفظ كل تفاصيلها عن ظهر قلب وربما يمكنه أن يدخل للطبيب بدلاً منها ليخبره عن ألمها. أجاب كل أسئلة موظفة الاستقبال وعاد إلى الكرسي جوارها،عاتبته مازحة، لتخفف توتره  "ما يصحش كده إزاي تقول سني قدام الناس مش دا سر بيننا؟"  كان يحاول إخفاء توتره عنها بنظرة مشجعة ظهرت واضحة من خلف نظارته. ضحك لها خجلاً وسرقت أنا الجزء الأخير من ابتسامته. بادلتهما الابتسامة وأنا أتمنى ألا يغادرا المشفى محملين لا بالخوف ولا الألم. 

غرقت في أفكاري ولا أعرف متى غابا عن عيني ليحل مكانهما ثنائي جديد. الشبه بينهما كان واضحًا، كانا شقيقان أحدهما خمسيني والثاني على مشارف الأربعينيات، لو أن تقديري للعمر صائبًا. كان الأخير يتحدث بحدة قبل قليل لموظفة الاستقبال التي تصر على تحويلهما لطبيب لن يأتِ قبل ساعات، أصرّ بدوره أن يدخل للطبيب المتاح الآن حتى لو لم يكن التخصص دقيقًا. 

تعاطفت مع الموظفة وشعرت أنهما متعنتان حادا الطباع لكن بعد قليل جلسا على الكرسيين المجاورين ورأيت صورة أخرى عن قرب. كان الأكبر يتألم، والأصغر مرتبكًا يشعر بالخوف. ورغم ذلك فإن شعورهما بالخوف من الألم المفاجئ الغامض لم يمنعهما من الاهتمام بشؤون ابنة اختهما الشابة التي تعمل بالمستشفى ذاته وقابلانها صدفة. راقبت المشهد وهما يسألانها بحنان كيف تدبر شؤونها كيف تأكل وهل تحتاج شيئًا؟ هل تشعر بالراحة في المكان؟ وإلا فهما جاهزان لتوفير عمل بديل لها. 


كانت الفتاة صغيرة، ربما لم تبلغ العشرين بعد، تبدو جديدة بالمكان ولم تتأقلم كفاية، ظهرت على ملامحها الراحة وهي تراهما أمامها، كطفل يزوره أبواه في المدرسة الجديدة. 

كان الخال الأكبر، المريض، حنونًا كريمًا وشهمًا، وكان الأصغر مرتبكًا وهو يرى سنده بحاجة لسند. يشعر الأكبر بالخجل لأنه عطله طويلاً في انتظار المزيد من الفحوصات، فيطمئنه "خد وقتك.. ماعنديش مشكلة في الوقت خالص".

جعلتني عبارته الاحظ أن كل الكلمات العادية البسيطة تكون ألطف في ردهة الاستقبال، حتى الدعابات السخيفة والعبارات الروتينية والتي ربما لا يعنيها أصحابها حقًا تكون أجمل هناك: "أنا معاك" "ما تقلقش" "اسند عليا" "مش همشي قبل ما اتطمن عليك" "انت زي الحصان". 





بهارات ماما

 

كأي دولاب مطبخ آخر، عندي برطمان الملح، الفلفل الأسود، الكمون، الشطة، ورق اللورا والحبهان، ولدي الأهم: برطمان "بهارات ماما". كان يجب أن يحمل هذا الاسم لأنها فعلا لا تشبه أية بهارات أخرى، أعتبرها تركيبة سحرية تجعل للطعام مذاق أمي في غيابها، وبالطبع أي أكلة لا تكون "طعاما حقيقيا" إلا حين تشبه طهي أمي مذاقا ورائحة.

تعد أمي البهارات بنفسها. تختار بنفسها المكونات التي تعرفها جيدا. تنفق ساعات في تنقيتها من الشوائب التي يمكن أن تجعل مذاقها باهتا ثم تطحنها. تحب أن تبذل مجهودا كبيرا في إعدادها ولا تحب شراءها جائزة وسهلة من العطار. هذه وصفة البهارات، ووصفة الحياة على طريقة أمي.

تحب أمي أن تبذل ما في وسعها من جهد في كل شيء. تدق الثوم بيديها، تقطع البصل بالسكين، تقلب البشاميل يدويا، فيحمل كل شيء تفعله بعض من روحها، ويصبح طيبا. ربما لهذا السبب حين يحل الليل تنام فورا بعمق، وقد وزعت بعضا من روحها على كل ما/ من في البيت.

وأنا أصغر سنا كنت أمتعض: لماذا نبذل جهدا أكبر طالما بإمكاننا أن نبذل جهدا أقل بمساعدة أدوات لدينا بالفعل؟ ترد أمي في كل مرة "الحاجات دي بتضيع طعم الأكل". حين ابتعدت وافتقدت مذاقها في البيت أصبحت أفعل الأمر نفسه. أدق الثوم بالهون الثقيل، لا أقطع البصل أبدا في "الكبة" ولا أطيق البشاميل الجاهز. واكتشفت أننا بشكل ما نضع بعضا من روحنا في الطبخة التي احتاجت مجهودا أكبر لتحضيرها.

أفهم الآن نظرية أمي وأحبها لكنني لا أملك صبرها ولا روحها فلا أفعل ذلك إلا حين يستبد بي الحنين. وفي الأيام الصعبة يكفي أن أستعين بالتعويذة السحرية في برطمان "بهارات ماما" لأتمتع بمذاقها.


Sharing your live location!
أود أن أشاركك الإحداثيات الآنية لموقعك في قلبي. الآن أنت في تلك البقعة المشتعلة بالنار. خليط من المشاعر يغلي، لا يمكنني أن أقترب حتى لأتبينه. بالكاد ألمح وجهك ولكنني أعرف أنك هناك من الرائحة. يصلني دخان كلماتك، ومشاعرك المرتبكة وشظايا إشاراتك مزدوجة المعاني.


لا تستقر في النار طويلاً، بعد دقيقة ربما تنتقل إلى تلك البقعة الرمادية الصماء. تتماهى مع كل الأشياء الباهتة هناك، قصص انتهت، أشخاص أذكر بالكاد ملامحهم وأسمائهم، ندوب اختفت وأفكار فقدت شغفي بها.


في الليل حين يخفت ضجيج رأسي ويعلو صوت الحنين، تنتقل إلى ذلك الموضع الهش الذي تصلني عبره كل الطعنات. يتسرب إليّ منه صوتك الخافت، طريقتك العفوية في المغازلة، دعاباتك التي تراها صديقاتي سخيفة وأقع أنا في حبها وأبتسم، خط يديك، نظرتك الطويلة العميقة في عيني، نظرتك الأخرى التي تجعلني أشعر أنك تبتلعني، يدك الافتراضية وهي تحل ضفائري، وحضنك الواسع الذي لم أجربه أبدًا.

أطمئن على موقعك هناك قبل أن أغرق في النوم، فيتغير موقعك مرة أخرى، تتوقف الإشارة لأنك تخرج عن التغطية. تصبح أكبر من المكان ويستقر قلبي بين يديك.
no image

حين أريد أن أنتقم أكتب. أواسي نفسي في مواجهة الخيبات: على الأقل في النهاية سأجد ما أكتبه؛ لكن قصتك المبتورة، كحلم / كابوس استيقظت قبل أن أعرف نهايته، تزعجني. أحاول الكتابة مرارًا وأعلق دائمًا في المنتصف. 

لا أحب أن أقسو عليك حتى في قصة رغم أنني وعدت نفسي مرارًا بأنني سأفعل. أكتب أنك نذل قاسٍ ولكن قلبي يخزني ممتعضًا: لم يكن قاسيًا تماما ربما أسأتِ الفهم، ألا تذكرين تلك المرة التي نضح فيها حنانه رغم غضبه من حماقتك؟".

أسمع لقلبي فأكتب أنني لمحت في عينيك كل ما أنفقت عمري بحثًا عنه فتلكزني كرامتي: إلى متى أحتاج لتذكيرك بأنه أهملك مرارًا كحشرة؟ كم مرة كان وجوده كل ما ينقصك في الدنيا وضن به عليك؟ كم مرة عليه أن يصفعك كي تفيقي؟! 

أتمزق بينهما وأعجز عن الكتابة، تخنقني الحكاية التي لا أعرف لم تنتهي بعد أم لم تبدأ!
جرح

 كل ليلة أتفقد جرح قطتي، تغمرني الفرحة حين أراه يلتئم، وأشعر أنني فخورة بها لأنها قوية. رأيتها بطلة حين كان جسدها يطرد أثر المخدر في الساعات الأولى وتحاول بعناد أن تمشى رغمًا عن الخدر الذي يسري في أوصالها، وددت لو أضمها بفخر حين انتبهت لصوتي يناديها وحين أكلت قضمتها الأولى من الطعام. 

قطة ـ قطط ـ قطة نائمة

أقول لأمي قلبي نيء لا يحتمل ألمها، لا يحتمل الألم بشكل عام. تقول إنه لين، لين بما يكفي ليسعهم. 

أتمنى لو أن بإمكاني النظر لجرحي بالطريقة نفسها. لو أن أحدهم شرح لي من البداية حجم الجرح وعمقه، أخبرني بلطف أنه سيلتئم بعد هذا القدر من الوقت، وأن كل ما أحتاجه هو أن أعتني بنفسي، وألا أجرب أن ألعقه. وقدم لي  في النهاية مضاد حيوي ومسكن للآلام. 

أتمنى لو كان بإمكاني تفقده كل ليلة، لأطمئن أنني بخير، أنه يتضاءل، يلتئم، ويومًا ما سينسى كأنه لم يكن. 

 عزيزي "X"

أعرف جيدًا كل المبررات التي تسوقها لنفسك لممارسة لعبة الغميضة، تقترب تارة وتبتعد تارة، تلعب دور العجوز الحكيم مرة، والطفل الحرون مرة، واللامبالي المتعالي غالبًا. أضع لك بدلًا من المبرر عشرة آلاف يا عزيزي؛ أحتقرها كلها، ولازلت أحبك.

في هذه اللحظة يصلني صوت وردة من المقهى القريب تعترف "أكدب عليك إن قلت بحبك لسة أكدب عليك.. وأكدب عليك إن قلت نسيتك همسة أكدب عليك.. أومال أنا إيه؟ قول بس أنا إيه؟ اختار لي بر وأنا أرسى عليه". 

عزيزي إكس ـ احبك أكرهك

كانت هذه حالتي قبل شهور يا عزيزي، كنت مستعدة تمامًا أن أقف في الموضع الذي تختاره لي، كطفلة مهذبة أو تلميذة نجيبة، لكن في كل مرة أسمح لك أن تختار لي "بر أمشي عليه" كنت تتركني أغرق، أنت حتى لا تريد أن تتحمل مسؤولية اختيار مكاني في حياتك، تستمتع بالرؤية الضبابية، بالمساحة الرمادية، لتتمكن من التنصل في أي لحظة وتتهمني بإساءة الفهم. 

الآن بدلاً من أن يتمزق قلبي مع الأغنية، أشفق على المسكينة التي لا يزال أمامها مشوار طويل من المشي على الهوامش،  قبل أن تغادر الصفحة تمامًا وتعرف أنها أبدًا لن تنتقل إلى المتن.

هل كنت ضعيفة حين تركتك تختار البر؟ كنت ضعيفة ربما أو يائسة لدرجة أن أترك لك الدفة ربما تحدث المعجزة وننجو. ربما تركت لك الدفة كى لا ألوم نفسي أبدًا على الوجهة التي نصلها. لكي أغادر وأنا ممتلئة باليقين أنني منحت قلبي الفرصة كاملة ولا يوجد ما يستحق أن أنظر إليه خلفي. 

أعرف الآن بوضوح "أنا إيه".. اخترت بري ومرساي يا عزيزي وأرفضك بكل عقلي، بنفس قوة حبي لك. لا يختار إنسان مشاعره يا حبيبي المتلاعب، لكن يختار لأي صف ينحاز. انحزت لك كثيرًا يا حبيبي، وقد حان الوقت لأختار صفي. حان الوقت لأتحيز للوضوح والمصارحة الجلية بلا ظلال وتواريات، لأتحيز لفعل يبني عليه، لا خلخلة تزلزل سلامي.

 أنا أكره ترددك وأنانيتك، ولازلت أحبك...وأرفضك.

إهداء لكل نساء العالم خائبات الأمل في رجال لا يجيدون الرجولة.


نص مشترك ريم وجيه وسارة درويش 

كنت سيئًا في كل الاحتمالات..

لم أطمع في أكثر من أن أقترب منك أكثر كي يمكنني أن أنساك أو أكرهك، ككل أمنياتي التي تحققت وتحولت لعنة. 

تعرف أن الوقت والمسافات بإمكانهما تغيير كل شيء، وأنت بارع جدًا في هذه اللعبة. في الوقوف على تلك المسافة البعيدة بما يكفي لتؤجج حنيني ولا تجعلك بعيدًا عن القلب.


 أنت بارع أيضًا في اللعب بالكلمات، تعرف كيف تخلق لغزًا من عدة حروف عادية جدًا، تكتب حرفًا وتخبئ الآخر وتتركه لخيالي، أما مفتاح الحل فهو عبارة محملة بالاحتمالات ليس لها إجابة وحيدة واضحة.

رغم ذلك لم أغضب أبدًا منك، كنت أفهم كل هذه الفوضى في داخلك وأرى ذلك الطفل الوحيد المرعوب الذي يشبه الأشباح في القصص، يخاف أن يفنى فيترك عشرات الألغاز لسكان البيت الجدد، لا ليرعبهم أو يؤذهم وإنما ليقول "كنت هنا، لازلت هنا لا تنسوني".

لم أغضب ربما لأنني مثلك، أحببت اللعبة لأنها كانت تعني "أنني هنا"، التقطت كل تلك الألغاز والألعاب بفرحة غرباء مفقودين في البحر لوحوا طويلاً للسفن البعيدة واقتربت إحداها أخيرًا بعد أن فقدوا الأمل الأخير بثوان.

كنت فقط أتساءل عن سبب رعبك المحموم من أن أقترب، تأرجحت الاحتمالات بتأرجح مشاعري، وإحساسي بالثقة. مرة قلت بيقين كامل إنك ابتعدت لأنك أحببتني. لأنك تخشى عليّ من نفسك، ولأنك تخجل أن أنظر لكل هذا القبح داخلك. 

ومرة قلت إنك ابتعدت لأنك نظرت للقبح داخلي، لأنك وجدتني بسيطة وعادية وواضحة، أحجية سهلة لا تستحق أن تنفق وقتًا في محاولة حلها لأنك قرأت كل الإجابات بالفعل على جبيني. ومرة فكرت في أن هذا هو ما تفعله دائمًا، تقترب حتى تضع المصيدة، تراقب باهتمام حتى تسمع رنة بابها، ثم تنصرف لتضع مصيدة جديدة وهكذا. 

كنت سيئًا في كل الاحتمالات ولكنني لم أتوقف عن حبك. وكانت هذه لعنتي.
15 أكتوبر
القطط تحب البيت نظيفًا. كلما انتهيت من ترتيب غرفة تدخل قطتي بخطوات حذرة، تتشممها بعناية كأنها تتأكد أنني أتممت عملي على أكمل وجه، وتتفقد ما تغير فيها ثم أشعر أنها تبتسم بسعادة وهي تتمرغ في الأرض تعبيرًا عن فرحتها بالنظافة والنظام، فأشعر تلقائيًا بالراحة كأن ربة المنزل صعبة الإرضاء أثنت على عملي.

مثلها أحب تلك اللحظة حين أنتهي من ترتيب البيت وأنا أشعر بالتعب. أشم بقايا رائحة المنظفات على الأرضية وهي تمتزج مع رائحة المفروشات النظيفة، الطازجة. أشعر بأن كل المجهود الذي أبذله فيه يأكل سخطي وغضبي.

تشبهني القطط أو أشبهها، ففي المقابل، كلانا يوزع سخطه وإحباطه على البيت. حين أغيب طويلاً عن البيت يعاقبونني بفوضى في كل مكان، يزيحون المفارش، يسرقون الجوارب من سلة الملابس ويخفونها، يتسللون أسفل الملاءات ويخوضون معارك ضارية عبرها. يسقطون المنشفة أرضًا ويقضمون ما يمكنهم الوصول إليه من مناديل. حين أعود أتقبل كل فوضاهم بابتسامة، أراها في الحقيقة فعل حب.

حين أكون محبطة، أشاركهم نشر الفوضى في المنزل. أستمتع بأن هناك مساحة يمكنني ألا أكون فيها مثالية، يمكنني أن أمارس فيها ترف الإهمال والتمرد على المفروض والواجب دون أن تكون العواقب وخيمة، دون أي عواقب من الأساس. أنشر فوضاي ثم أرتبها وكأنني أقول لنفسي لا بأس، يمكنك دائمًا إصلاح كل شيء. مهما ساءت الأمور ستأتي تلك اللحظة حين تعيدين بيتك نظيفًا، وترتمين على أريكتك المفضلة بجسم متعب يشعر أنه الآن يستحق الراحة عن جدارة.
إلى ريم.. عن الخوف مرة أخرى

تعرفين يا ريم أن لدي أطنان من المخاوف، ولكن أسوأها على الإطلاق يتعلق بخوفي من نفسي. من حقيقة من أكون! من ما يمكن أن تفاجئني به نفسي وما يمكن أن أفعله دون وعي أو حين يخرج الوحش داخلي عن السيطرة. 

خوف

هل أخبرتك من قبل أن هاجسي الأعظم هو أن أزهق روحًا في فورة غضبي؟ يصنفني الناس كشخص هادئ. وأظنني كذلك، ولكن داخلي دائمًا مشتعل. أعتقد أنني مؤخرًا أصبحت أتحكم في غضبي كثيرًا، أزن الكلمات قبل أن تنطلق كرصاصة لا يمكن أن ترد، وأؤجل رد فعلي قدر الإمكان حتى تنقشع عن عيني غشاوة الغضب. ولكنني منذ زمن أعرف أن غضبي شيطاني لدرجة أنه كثيرًا ما أقضي ليالٍ كاملة عالقة في كابوس يتكرر بأشكال مختلفة عن تورطي في القتل في لحظة غضب يعقبها ندم طويل وشعور بورطة الغراب الآثم، القاتل الأول على وجه الأرض.

في الأيام الأخيرة تابعت مسلسلاً عن رجل أجبره مجرم ذو نفوذ على أن يتحول إلى قاتل متسلسل وإلا يقتل أسرته. راقبت خوف الرجل، الأب المحب والزوج العاشق، والصديق المخلص المسالم، وهو يتحول إلى قاتل، ليس فقط لأنه قتل ولكن لأنه تمكن من مواصلة حياته بشكل طبيعي كأنه لم يزهق عدة أرواح! 

راقبت رعبه وعدوه يخبره إن بداخله قاتل محترف وشيطان هو نفسه لا يعرفه، وهو يخبره أنه لا شك تلذذ وهو يردي ضحاياه في لحظة، بضغطة واحدة على الزناد.

أخاف يا ريم من الوحش بداخلي! الوحش الذي لا أعرفه، والوحش الذي أنكره! الأفكار الشريرة، خطط الانتقام الكاملة، الشماتة التي تتسرب لقلبي رغمًا عني، والغيرة التي تدغدغ قلبي أحيانًا وأخاف أن تتحول حقدًا يومًا ما. 

أخاف الوحش داخلي وأخاف أكثر من يجبرونني على إطلاق سراحه ويجبرونني أن أكون الشخص السيء الذي أكرهه وإلا لن أنجو. تمامًا كالمجرم الذي حول الأب الطيب لقاتل متسلسل فقط لينجو بحياته وحياة من يحب!