
أبحث عن..


يدهشك العنوان ويثير فضولك؛ لتتعرف ذاك الباب المؤدي للهاوية. على الرغم من وضاءة لونه. وربما يساورك القلق والتساؤل كيف أن الأخضر وهو أكثر الألوان بهجة وتعبيرا عن الديمومة والحياة اليانعة. كيف يكون بابا للهاوية؟ تقودك سارة درويش من يدك وتوقفك إلي جانبها لتريك بأم عينك كيف أن هذا الباب الأخضر لم يكن إلا بابا للجحيم دلفت منه ندى بطلة قصتها التي برعت الكاتبة في التركيز جدا علي تفاصيل حالتها النفسية. ربما لتبرر لنا تصرفها الذي تعرفه جيدا فهي من صنع الشخصية وأنشأها وصانع الشئ أدري به.
وقد يكون سلوك الشخصية معيبا ومنتقدا مني أو منك أو من أي كائن من كان تحت مظلة القول (إيه اللي وداها هناك) وربما تتعاطف معها فتقول في نفسك لست وحدك يا ندى. ولن تكوني آخر من يقعن في مثل هذه الهاوية. فندى التي صنعتها سارة درويش علي عينك فوق السطور ببراعة فائقة وبحرفية كاتب يعرف ما يفعل جيدا...
فتلك الفتاة العادية جدا والتي تتماثل حالتها مع الكثير من الفتيات اللائي يشعرن بنقص في حياتهن ويسعين بكل ما أوتين من قوة في البحث عن علاقة عاطفية تروي الظمأ وتعد بحياة مثيرة وشائقة. لكم تعاطفت معها ووقفت متحفزة ومتأملة أمام كل رسالة تأتيها من هذا المجهول. الكثيرات ينتظرن مثل هذه الرسالة (ادن مني يا علة روحي)... لو أرسلت هذه الرسالة علي جبل من الجليد لصهرته فكيف بفتاة رقيقة وهشة مثل ندى؟
فبالرغم من اعتقادها بكونها فتاة عادية وغير مرئية. إلا انها اقتنعت بكونها وبكل تأكيد محل اهتمام وتقدير هذا المجهوول.
تري ما الذي كان ينقص ندى لتبحث بكل اصرار عن قصة... عن باب تطل منه علي حياة لم تجن منها الا انهيارا عاطفيا في النهاية؟؟
لاينسيني الاستغراق في سرد تفاصيل الحبكة الدرامية التي صاغتها الكاتبة باقتدار يتناسب مع استخدامها لضمير الفاعل وتتكلم بصوت ندى نفسها وكأنها تكتب لنا مذكراتها الشخصية. فقد جاء ذلك مناسبا جدا مع الجو النفسي للبطلة التي قذفت بنفسها في المجهول لتعد نفسها بحياة أجمل وأكثر إثارة وتشويق. لا يسعني الا تقدير جهد الكاتبة وتمني مزيد من مثل هذه الكتابات المميزة.

"باب أخضر للهاوية" عنوان لافت جدًّا ومعبر عن فحوى الرواية، مثل الغلاف الجميل، ندى في الظل بين ألسنة اللهب واحتراقها الذاتي بتلك الرسائل.
فكرة الرسائل المجهولة منعشة جدًّا في عالم الأدب والأفلام، أحببت منها رواية مثل: "نسيم الصبا" وفيلمي المفضل: you have got mail. لكن في الواقع على العكس توترني الأبواب المواربة، ورسائل الغرباء الغامضة كما حدث معي منذ بداية الرواية كنت أتتبع ندى بخوف حقيقي على ما ستواجهه في النهاية، سارة درويش مدهشة في جعلي أتوحد مع أبطالها، حدث لي هذا من قبل في قصة: "مقتل امرأة عادية" تعاطفت جدًّا مع البطلة، وكنت أكتب لسارة في تعليقاتي المتكررة على الفيسبوك، رجاء أن تكون على قيد الحياة رغم تأكيدها من البداية أنها رحلت بالفعل.
"باب أخضر للهاوية" رواية شيقة ومؤثرة جدًّا أنهيتها في جلسة واحدة دون انقطاع إلا قيلولة خاطفة وبعض العمل أديته وأنا أفكر: "ثم ماذا بعد؟"، رغم رقة عبارات عُمر، وذكاء تفاصيل رسائله التي أحببتها، لكنني كنت أنفر من شخصيته الغامضة منذ البداية، سارة جعلتني أرى حقيقته، وأنه مجرد فخ، و stalker حتى لو زينته ندى بتعطشها للاهتمام، والملاحظة .
"ادنِ مني يا علة روحي"
عمر كانت روحه معتلة فعلًا، ونقطة قوته الوحيدة أمام ندى كانت المعرفة التي قرصنها من خلال موقع الجلسات النفسية، سكبت أمامه نقاط ضعفها، وبمتابعة لحسابها استطاع إكمال النقاط الناقصة.
هو حقق لندى-دون قصد- حلمًا قديمًا عند أغلب الفتيات مغروس في جيناتهن عبر التاريخ بوجود هذا الفارس النبيل، صاحب الكلمات الرشيقة، والمنطق المدهش، والحنان الدافئ، مع علة فؤاده التي نمت داخله في اغترابه عن فتاته قبل أن يلتقيها ويزول كدره عندما تسقيه الترياق بيديها النبيلتين، ثم تطمئن قربه، وتمنحه قلبها دون ندم، فهذا النبيل ماذا سيفعل بها أو معها إلا قصة غرام أسطورية غاية الاكتمال؟!
كنت مشفقة على ندى من لحظة الفراق؛ لأنها منحته كل المساحة كي تنمو تفاصيله داخلها وتشتبك بخلاياها.
وعندما لجأت إلى مساعد نفسي مجددًا بعد أن وجدت هذه الحسابات المزيفة التي يمتدح بها نفسه، وينتقد بها الكتاب الآخرين، كنت في سري أخبرها أنها في حاجة إلى محقق، أو شرطي لو أرادت المضي في كشفه للنهاية.
لكن لو كنت المحقق بجانب ما جمعته ندى من معلومات كنت سأسأل ما دافع الجر يـ ـمة؟
خلال فترات الغياب، والعودة كنت متوقعة ابتزازه لندى، وضغطه عليها كي تقدم تنازلات عاطفية تجاهه؛ لكنه والحمد لله لم يفعل!
صراحةً ندى كانت محظوظة في قصتها؛ لأن المخـ تـل عُمر كان أضعف، وأجبن، وأكثر تذبذبًا من معرفة غايته منها، خلال خصام وصلح وعواصف الزعل وشهد المصالحة، وهي تمنحه هذا الحجم الهائل في مخيلتها بينما هو في الحقيقة مجرد ضئيل لا يعلم ماذا يفعل؟!
ندى كانت تمنح كلماته، وألغازه، وأشعاره وقعًا وصدى، ودونها كان سيظل بلا هذا الوهج، مساعد خامل في النوبتشية يتلقى التوبيخ من الطبيب العجوز، بينما يحسده على مكانته، ويخـ تلـ ـس منه وجاهة تخيلية بانتحاله لشخصيته على هذا الموقع.
كانت تصف رسائله بالشريط الوردي حول رقبتها، أو الكرة التي يرميها للكـ لب، أو حيوانه الأليف، لكن عقلها هو ما منح هذا الرجل المتهالك النكرة هذه السلطة، كان أجبن حتى من الطمع فيها، يراها أعلى وأقدر منه على كل شيء، ويعترف لها بذلك مرارًا، فقد كان الألم يشطرها ورغم هذا تتقدم في عملها بينما هو محلك سر في مكانه بصحبة عقله البائس، وخططه المظلمة، رغم إنجازه الأدبي، وشهرته إعلاميًّا لكن داخله غاية في التقزم.
سارة كانت بارعة في تصويره كآفةٍ تمتص روح ندى ولا يوجد منطق لبقائها معه، وفي نفس الوقت تجعلني أشعر بمنطقية تأثرها به، وتغلغله الساحر، والمؤلم داخل روحها، ورغم أنها أخرست أفكاره، وأكاذ يـ ـبه الشخصية إلا بما يظهره أمام ندى؛ لكنها سربت لنا حقيقته من خلال صمته عند نقاط مفصلية كانت أوضح حتى من تبريره الشخصي فيما بعد، كانت ندى شُجاعة، تُقيم الدنيا، ولا تُقعدها كي تعلم الحقيقة، وتتخيله بين أزواج شقيقاتها، وتحاول حشره دون جدوى في الصورة، بينما هو مختبئ كالفأر المرتعب.
لعبة المعالج النفسي كنت صراحة أجد في كلامه بعض المنطق لكنه أيضًا لم يُرِحْني خاصة عندما صار شريكًا في اللعبة يُعلمها الكر، والفر؛ وكأن علاجها، واستقرارها منوط بعلاقة غامضة وغير مستقرة، وبعدما وضعها في قائمة الاستشارة المجانية، تلبستني روح الكبيرة أوي وهي بتقول: "كنك مش مظبوط ياض".
أشعر أن المراجعة مشتتة ربما لأن قلبي لا يزال متألمًا جدًّا من أجل كل ندى، أتمنى لها التعافي من مسلسل الخد اع الذي زجت نفسها به وعزائي أنها كشفته بنفسها، وكانت تحاصره طوال الحكاية- دون أن تدري- في مصـ يدة شديدة الضيق بينما تظن هي العكس.
(وفي الجـ حـ $يم متسع للأوغـ..$ اد، ويوعدك بلغز يخـ رم دماغك يا عُمر، رغم إنك كنت stalker مجتهد وشاعر وإعلام وألغاز لو استغليت ذكائك وذاكرت في الثانوية كان زمانك دكتور بجد لكن تلاقي الألغاز شغلاك من بدري ومش عارف تركز 🙂🙄)
السطر الأول/ الأخير في الرواية هو ما جعلني ساخطة جدًّا على عمر لا لشيء إلا أنه سيتجاوز مع ضحـ يـ ته الجديدة ما أخفق فيه مع ندى كالقــ ا تل المتسلـ ـسل دائمًا جريـ مــ ته الأولى يكون فيها الكثير من الأخطاء، ثم تصبح جرائمه أكثر إتقانًا بدون أدلة في المرات اللاحقة.
شكرًا يا سارة على الرواية الجميلة والشيقة، في انتظار عملك القادم بفارغ الصبر، أنا بحبك وبحب قلمك؛ لأنه سلس، وصادق ويجعلنا نرى آلام الناس وكأننا داخل قلوبهم، هناك اقتباسات توقفت عندها طويلًا جدًّا، وسأضع بعضها مع المراجعة هنا.
بقلم الكاتبة فاطمة كرم








