أبحث عن..

حوار أجراه معي الروائي والكاتب الصحفي العزيز أحمد إبراهيم الشريف، رئيس قسم الثقافة بجريدة اليوم السابع، بمناسبة إصدار كتاب "عزيزي رفعت" في معرض القاهرة الدولي للكتاب.  يمكنكم زيارة رابط الحوار المنشور في فبراير الماضي، من هنا.  



وإليكم نص الحوار: 


كتاب "عزيزى رفعت" للزميلة سارة درويش، والصادر حديثًا عن دار المسك، يمكن القول عنه إنه كتاب شفيف، رسائله قريبة من القلب ولغته تخاطب النفس، فتؤنبها وتراضيها.

وعندما تنتهى من قراءته ستجد نفسك متمثلة فيه بصورة أو بأخرى، ستشعر بالخوف الذى شعرت به سارة درويش فى رسائلها الـ74، وستشعر الأمان أيضًا لأن هناك من يستمع إليك ولا يحاسبك طوال الوقت، فالكتاب بمثابة مرآة حقيقية للنفس، تكشف الكثير من المزايا والعيوب، وذلك من خلال رسائل تسعى للتعافى من كل ما نمر به من ضغوط وقلق وتوتر من إثبات للذات أو حتى نفيها والذوبان فى العالم المتسع.

كما يحمل التعافى من نظرات الآخرين التى تطاردنا، هؤلاء الآخرون الذين يريدوننا على شاكلتهم، أو يريدوننا أقوياء طوال الوقت، لكن سارة درويش كان لها رأى آخر، حيث واجهت الجميع بالكتابة.. وقد أجرينا معها هذا الحوار:


أدب الرسائل فن كتابى قديم.. من أين جاءتك الفكرة؟
أحب قراءة أدب الرسائل جدًا، أحب الحميمية فيه وتلك الرغبة القوية فى التواصل التى تجعل أحدًا يقرر أن يخرج عقله وقلبه من جسده ويضعهما على الورق ويرسلهما لآخر لكى يفهمه.
بالنسبة لى حين فكرت فى كتابة الرسائل كانت لدى تلك الحاجة الماسة لأن يفهمنى / يسمعنى أحد، ليس لأن المحيطين بى لا يفعلون ذلك، ولكن لأننى وقتها كنت عاجزة حتى عن فهم نفسى وشرح ما بداخلي، فى الوقت نفسه كنت أشعر أن إفراغ قلبى وعقلى لدى أحد، مهما كان قريبًا ومخلصًا، هو عبء كبير أخشى أن أثقل به أحد، ثم تلك الورطة التى تجعل الآخر يشعر أنه مضطر للرد عليّ، لهذا فكرت فى الكتابة لرفعت، لأنه لسنوات طويلة كان صديقى الخيالى المفضل ومؤنسى حتى حين لم يكن لدى أصدقاء، اخترته كذلك لأنه لن يكون مضطرًا للرد، لن يكون مضطرًا لقول أى شيء لأنه يجب أن يرد، ولن يكون كل هذا البوح عبئًا عليه.

رفعت إسماعيل ذلك المحظوظ برسائلك.. هل يستحق فعلا كل هذه الكتابة الجميلة؟

قبل أن أرتضى بصداقة رفعت كان لسنوات طويلة بالنسبة لى فارس الأحلام، وهو أمر غريب أن أشعر بالإعجاب نحو عجوز نحيل وعصبى مطارد بالنحس طيلة حياته، ولكن تلك التركيبة ـ غير المثالية، غير البطولية ـ التى ابتكرها العظيم الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، جعلت رفعت إسماعيل أقرب لقلبى من أى بطل خيالى آخر يتفاخر كاتبه بقوته ومهارته.
كان رفعت ـ فى أعداد ما وراء الطبيعة ـ يعترف بكل وضوح وصراحة أنه ليس مثاليًا، أنه ليس قويًا جدًا وأنه ـ مثل أى شخص طبيعى ـ يشعر بالخوف، بالملل، بالانزعاج حتى من تطفل الآخرين عليه وإقلاق راحته، يعترف بغيرته وحنقه وخيباته، كان قريبًا كصديق حميمى ساعدنى كثيرًا على أن أتقبل نواقصي، أتقبل أننى لست شخصًا خارقًا ولا مثاليًا وأننى أشعر بالخوف أحيانًا وأواجه الفشل فى أحيان أخرى، وأن أهم شيء فقط هو أن أكون صادقة، صادقة مع نفسى وصادقة فى مشاعري. كان فى خيالى دائمًا ذلك الشخص الذى يربت على كتفى ويقول لى "لا بأس.. هذه الأشياء تحدث".

ألم تخش سارة درويش أن يعرف الناس نقاط ضعفها من رسائلها؟
حين كتبت الرسائل الأولى لم أكن أنوى نشرها أبدًا. كتبتها دون تفكير فى مدى ما أكشفه عن نفسى فيها، وهذا منحنى الكثير من الحرية فى كتابتها، والكثير من الخفة والراحة بعد كتابتها، حين فكرت فى نشرها للمرة الأولى ترددت كثيرًا، حذفت بعض المقاطع وعدلت أخرى، ولكن مع الوقت، أصبحت أكتبها وأنشرها فورًا دون حذف ولا إعادة تفكير، لأننى تصالحت أخيرًا مع كل هذا الضعف، ولأن تعليقات من قرأوها التى تقول إنهم تراودهم المخاوف والمشاعر نفسها جعلتنى أكثر شجاعة وطمأنينة.


"الخوف" ذلك الشعور المرعب الذى كان مسيطرًا عليك.. كيف ترينه الآن؟
لا يزال الخوف أكثر المشاعر شرًا فى نظري. كلما فتشت عن الدافع الأصلى وراء كل التصرفات المؤذية أو الغريبة للكثيرين -أو حتى الصادرة مني- أرى الخوف دائمًا هناك، كامنًا وراء الجشع والقسوة والنهب والقتل.


هل يمكن القول إن ما كتبتيه ينتمى إلى أدب الاعتراف؟
جزء من الرسائل يمكن اعتباره من أدب الاعتراف لكن أعتقد أن بعضها ليس كذلك، بعضها كان كجزء من حوار تخيلي مع الذات، أعبر فيه عن أفكار وتأملات عامة غير شخصية.


هل فعلا تعافيت بالكتابة.. أم لا تزال الهواجس والكوابيس تطارد سارة درويش؟

حين بدأت كتابة الرسائل فى فبراير 2015 لم أكن منزعجة من أية هواجس أو كوابيس، بل أن ما أزعجنى وقتها هو أننى لا أشعر بذلك، كان هناك الكثير من الضباب والشعور أننى مثقلة لسبب غير واضح، لست حزينة، ولا أشعر بالفرحة بل متبلدة، كان ذلك التبلد مخيفًا أكثر من الشعور بالخوف نفسه. كان يشبه شللاً أصاب مشاعرى وقدرتى على التواصل مع نفسى قبل الآخرين. مع الوقت، ساعدتنى الكتابة على التعافى من ذلك الشعور بالتبلد وانقطاع الصلة بينى وبين نفسي، أصبحت الآن قادرة على الانفعال والفرح والغضب وحتى البكاء، وهى أمور لم أعرف أهميتها إلا بعد أن تعافيت فعلاً.
لا تزال الهواجس تطاردني، أتخلص من واحد فيظهر آخر جديد، وهكذا.. وهو ما يجعلنى أظن أننا لا نحتاج للتعافى من الخسارات الكبيرة فقط وإنما نحتاج للتعافى أولاً بأول من تلك الخدوش النفسية الصغيرة التى تحدث يومًا بعد آخر وربما لا نشعر بها ولكن إذا لم نعتنى بأنفسنا كما ينبغي، إذا لم نداويها ونمنحها الفرصة لتلتئم ستتراكم حتى تشوه روحنا بالكامل.


ألا تفكرين فى تكرار التجربة مرة ثانية وتكتبين رسائل جديدة؟
أتمنى ألا أتوقف أبدًا عن كتابة الرسائل لرفعت، لأننى بحاجة دائمًا إلى هذه الصلة بينى وبين نفسي، وأتمنى ألا تنقطع أبدًا، ولذلك حتى بعد أن أصبح الكتاب قيد الطبع كنت أكتب رسائل جديدة.