أبحث عن..

 


فعلت كل ما يلزم يا رفعت كي لا أكون بطلة لواحد من أفلام الرعب التي ألعن حماقة أبطالها وسذاجتهم وتهورهم. لم أدخل أبدًا مناطق مظلمة وحدي، لم أطرق أبوابًا مواربة مشبوهة، رغم كل ما تقدمه من إغراء لفضول القطة داخلي، لم أبتعد كثيرًا عن البيت، ولم أتمسك بدمية مريبة - الحقيقة لم أتمسك بأي شيء على الإطلاق - ولم أختر أبدًا الطريق الموحشة. ورغم ذلك وجدت نفسي في متاهة طويلة لعينة لا أملك أدنى فكرة عن كيفية الخروج منها. اكتشفت يا رفعت أن هذه الحياة اليومية العادية أكثر رعبًا من كل تلك الأفلام! وهل تعرف ما هو الأسوأ؟ أنه بعد انتهاء هذه الحياة لن يستقبلني العالم كبطلة تمكنت أخيرًا في النجاة، ولن تهرع سيارات الإسعاف للتحقق من سلامتي ولن يحتضنني أحد أو يربت عليّ وهو يخبرني بتعاطف أن الأمر كان صعبًا ولكنني فعلتها وأنه فخور بي لأجل ذلك!

تحولت تلك العبارة عن أن أحدهم يخوض حربًا لا تعلم عنها شيئًا إلى مزحة، ولكنها حقيقة لدرجة تدفعني للبكاء. أنا أخوض معركة حتى أثناء نومي كي أتمكن من الحصول على الشيء الذي أعتبره الأفضل في حياتي "نومًا هانئًا دون ذلك الشعور القاتل بعدم الراحة الذي تبدو الكوابيس أليفة مقارنة به"، ثم أخوض معركة أخرى لأنهي نومي وأغادر سريري وأواصل الحياة التي ـ صدق أو لا تصدق ـ اخترتها!

أجرب كل الأشياء التي اعتدت أنها تبهجني ولكنها لم تعد مجدية، أدرك أنني أفرطت في استخدامها، في الاعتماد عليها وحدها، لأتمكن من مواصلة الحياة والآن أنا معطوبة كجسد تشبع من المسكنات ويعرف أنه مضطر الآن لمواجهة الألم، إلى الأبد لأن أي شيء آخر في العالم لم يعد مجديًا.

كلامي يبدو يائسًا يا رفعت ومخيفًا على عكس ما أبدو عليه في المعتاد. على عكس ما سأبدو عليه بعد ساعات حين أنهض من نومي وأتحرك بنشاط لأبدأ يوم آخر لأن الحياة تستمر. ولكن كل هذا اليأس يتسرب من بقعة مظلمة عميقة في داخلي، أشعر أنه يشبه مخلفات حرب اندست عميقًا داخلي حتى نسيتها، بل ونسيت الحرب ذاتها، ولكنها تنفجر فجأة بمجرد أن تحدث حركة واحدة في المكان الخطأ. المشكلة هنا أنني لا أعرف أي حرب خلفت هذه الألغام، ولا ماذا تحرك أو ما هو الخطأ. كل ما أعرفه أن الانفجار مدوي والأشلاء كثيرة. وأنا متعبة كأنني أتهاوى من داخلي.