أبحث عن..

أحب القطط؛ والقطط تحب البيت نظيفًا. كلما انتهيت من ترتيب غرفة تدخل قطتي بخطوات حذرة، تتشممها بعناية كأنها تتأكد أنني أتممت عملي على أكمل وجه، ثم تتمرغ في الأرض تعبيرًا عن فرحتها بالنظافة والنظام، فأشعر تلقائيًا بالراحة كأن ربة المنزل صعبة الإرضاء أثنت على عملي. مثلها أحب تلك اللحظة حين أنتهي من ترتيب البيت وأشم بقايا رائحة المنظفات على الأرضية وهي تمتزج مع رائحة المفروشات النظيفة. أشعر بأن كل المجهود الذي أبذله فيه يبدد سخطي وغضبي ويجعلني أفضل. 

سارة درويش ـ مقال سارة درويش ـ سارة درويش ـ الكاتبة سارة درويش

حين أكون محبطة، وتائهة وعاجزة عن إيجاد أي خطة لا أجد ما أفعله إلا أن أبدأ في ترتيب البيت وتنظيفه بعمق، فيتبخر شعوري بالإحباط وأمنح عقلي فرصة ومساحة ليتنفس، وأشعر حين يصبح كل شيء على ما يرام أنه بإمكاني دائمًا إصلاح كل شيء فأقول لنفسي: هل رأيتِ؟ مهما ساءت الأمور وانتشرت الفوضى ستأتي تلك اللحظة حين تعيدين بيتك نظيفًا.

يقول خبراء طاقة المكان إن ترتيب فوضى القلب يبدأ من ترتيب فوضى البيت، كنت كالكثيرين أسخر من هذه النصيحة وأراها مجرد كلمات منمقة يحبها خبراء الطاقة، ولكن علم النفس أيضًا يؤيد هذه النصيحة، فالعديد من الدراسات أثبتت أن هناك علاقة قوية بين النظافة والشعور بالسعادة.

ورصد الباحثون الأمريكيون خلال دراسة أجريت عام 2018 استجابات جسدية لا إرادية للمشاركين تعكس شعورًا بالإثارة والحماس العاطفي أثناء التنظيف. كما أجمع المشاركون في الدراسة على أن الانتهاء من التنظيف يمنحهم شعورًا براحة البال والتحكم في بيئتهم وشعورًا بالتصميم والفخر. فيما قال 81% من المشاركين أن التنظيف يجعلهم أقل توترًا وعصبية وعدائية فضلا عن الشعور بالإنجاز.

لا يقتصر الأمر على البالغين فقط، وإنما وجد استطلاع للرأي أجرته شركة للأبحاث الأمريكية أن الآباء لاحظوا أن أبنائهم درسوا بشكل أفضل عندما كانت غرفهم مرتبة. وقال 49% منهم أن هناك تحسنًا ملحوظًا في سلوك أطفالهم عندما تكون غرفهم نظيفة. بل إن الأطفال الذين عاشوا في بيئة نظيفة وتم تشجيعهم على أن يكونوا نظيفين منذ صغرهم أكثر ميلاً للتعاطف مع الآخرين بنسبة 60% من غيرهم، وأكثر استعدادًا لتقديم المساعدة للأشخاص في مجتمعهم كبالغين.

أظهرت الأبحاث أيضًا أنه يمكن تقليل التعاسة العامة ببساطة عن طريق التنظيف ففي إجابتهم على الاستطلاع قال  72% إنهم ينامون بشكل أفضل في منزل نظيف. وقال 80% منهم أنهم يشعرون بالمزيد من الاسترخاء وبضغط أقل حين يكون البيت نظيفًا.

أتذكر وأنا أقرأ تلك المعلومات كل تلك المشاهد في الأفلام حين يقرر البطل إنهاء مرحلة انهياره وضياعه فيكون أول ما يفعله هو أن يلملم كل الفوضى من بيته وكأنه يطرد التعاسة مع عبوات الوجبات السريعة والزجاجات الفارغة. تبدو الخطوة بسيطة جدًا ولكنها سحرية جدًا وتذكرنا أنه مهما ظننا أننا معدومي الحيلة خاليو الوفاض، يظل هناك ما يمكننا أن نفعله، ويظل بإمكاننا دائمًا كنس تعاستنا ومنح أنفسنا شعورًا أفضل، ومحيطًا أفضل.


مقال منشور بتاريخ 21 أكتوبر 2022 بموقع وجريدة اليوم السابع | المزيد من المقالات