إلى رفعت.. الرسالة 68

أكره تلك الأيام التي أستيقظ فيها بذلك الجبل على صدري. في البداية أشعر بالثقل الجاثم على قلبي، ثم يزداد وعيي تدريجيًا، وأدرك ـ آسفةٍ ـ أن ما أبكاني بالأمس لم يكن كابوسًا. أتذكر كل شيء، الحلم الذي تحطم وبكيته، دموعي، خوفي، الانتظار الثقيل والشعور بأن العالم انطفأ في عيني. ثم يأتي الأصعب، تلك اللحظة التي أضطر فيها لسحب جثتي من السرير لأبدأ "يوم جديد".
أكره هذا الشعور بالثقل يا رفعت لكثرة ما حملته. أكره "الهم" والخوف والفرحة المبتورة والضحكات التي لا تخرج من قاع القلب بل تخدش بالكاد ملامح وجهي.
في بعض الأيام يحدث ما هو أسوأ، لا أتذكر ماذا يثقلني ولكن هذا لا يقلل أبدًا من شعوري بالهم بل يضاعفه. أضطر لاجترار كل الأحداث المزعجة في اليوم، وأحيانًا في الأسبوع المنصرم لعليّ أتذكر أيهم بالضبط يزعجني الآن ولكنني أفشل، لا يعلق في ذاكرتي إلا ذلك الشعور المزعج بأن كل نفس أسحبه أشده بمعاناة من أسفل جوال ثقيل من الرمل.
في هذه اللحظة، يلح عليّ ذلك الشعور يا رفعت، يحرضني على البكاء، يغريني "سيتبخر مع الدموع" ولكن ما يحدث في النهاية هو أنني أحصل على عينين منتفختين وصداع قوي كمكافأة.
لكنني لستُ جاحدة يا رفعت، أنا أتذكر أيضًا تلك اللحظات النادرة التي أكون فيها بخفة شعرة. لذة الإحساس بالسلام والهدوء، اللحظات التي أشعر فيها أن العالم صمت من حولي، ليس ذلك الصمت الكئيب المقبض وإنما صمت رائق وكأنه يحمل موسيقى خفية.
الشعور بأنني متعادلة مع الحياة تمامًا، لا لي ولا علي وأنني مطمئنة على كل ما يهمني في هذا العالم.
أتذكر ظهر ذلك اليوم الصيفي في شقتنا، حين انتهيت من ترتيبها وأسدلت الستائر ورششت عطر الفل في كل غرفة، واسترخيت على الأريكة أمام التلفزيون وإلى جواري القطط مستغرقة في نوم هادئ. يومها تصالحتُ أخيرًا مع ذلك الوقت من النهار الذي كرهته طويلاً.
أتذكر أيضًا ذلك اليوم الشتوي حين دخلت غرفتي أخيرًا بعد يومٍ طويل. ارتحت على سريري الدافئ دون أن يكون في قلبي ذرة شعور بالانزعاج أو القلق أو الأسئلة.
أتذكر فجر ذلك اليوم الذي انتهيت فيه من طلاء غرفتي وأعدت ترتيبها كاملة ثم حظيت بحمام دافئ غسل عني تعب ليلة كاملة، ثم اندسست في سريري بكل هذا الشعور الرائع بالتعب الذي يذكرني بإنجازي.
وأتذكر كذلك الخفة التي أشعر بها حين أسافر في نهاية الأسبوع وأترك خلفي القاهرة بكل ثقلها وهمومها والتزاماتها لأرتمي في أحضان أمي وفي أحضان ذلك البيت الهادئ والصمت الذي ينسدل على الشوارع من لحظة مغيب الشمس.
الآن في هذه اللحظة يا رفعت أتمنى لو أنهي الأسبوع حالاً، وأترك العالم خلفي وأرحل.

إرسال تعليق

0 تعليقات