أبحث عن..




قطتي أم مهووسة بالسيطرة يا رفعت. لم أتوقع أبدًا أن تكون كذلك قبل أن تتورط في الأمومة. كانت مشاكسة، لا تعبر عن المحبة إلا قليلاً، ولا تسمح لي بأن أغمرها بالحنان إلا نادرًا، لدرجة أنني كنت أخشى دائمًا أن يموت صغارها من قلة الاهتمام لو أنجبت.
أراقبها الآن وهي تلهث كالمجنونة في البيت خلفهم، تراقب الظلال المتحركة خلف الأبواب بأعصاب مشدودة وهي متأهبة لمعركة وهمية لا تحدث أبدًا، تصرخ إن غاب أحدهم عن عينيها لحظة، تحاول إجبارهم على النوم في موعد محدد ومكان تختاره، وتحاول السيطرة على تحركاتهم بين الغرف بإصرار يبدو لي مضحكًا لأنني أعرف جيدًا أن الوضع لا يستحق كل هذا الهلع.
أرى نفسي فيها، أرى في جنونها هذا كل ما أخشاه في الأمومة، أن أحب لهذه الدرجة، وأن أعيش كل هذا القلق والخوف، و ـ نعم سأعترف يا رفعت ـ أن أحاول السيطرة على أطفالي بهذه الطريقة التي أكرهها.
اكتشفت منذ فترة، بمساعدة صديقة، أن جزء كبير من شعوري الدائم بالانزعاج والقلق المستمر سببه هوسي بالسيطرة، من وقتها أراقب أفكاري وتصرفاتي وأجد نفسي متلبسة تمامًا بحب السيطرة على كل تفصيلة في حياتي، وأشعر بالسخط والرعب إن لم يحدث ما كنت أنتظره.
الآن يا رفعت أشعر أن شخصًا ما، أنضج مني أو أعلم، يراقب جنوني وخوفي الدائم ويهز رأسه بحكمة وهو يضحك: "يا مجنونة الحياة لا تستحق كل هذا الهلع". 
ولأنني أشعر أحيانًا أننا لسنا نفس الشخص على مدى العمر، أن كل نسخة منا في مرحلة ما من عمرنا هي شخص مستقل، أتخيل أن هذا الشخص الذي يضحك مني الآن هو أنا الخمسينية ربما أو الستينية، لا أعرف هل أشعر وقتها بالندم وألوم نفسي لأنني لم أستمتع بحياتي في هذا الوقت دون كل هذا الرعب؟
أتذكر فيلم About Time وأتمنى لو أملك نفس القدرة السحرية للبطل على العودة بالزمن، وأستخدمها مثلما فعل، لأعيش كل يوم مرتين، لا أصحح أية أخطاء ولا أتصرف بطريقة مختلفة، فقط أعيش نفس اليوم بكل تفاصيله منزوعًا من الخوف والقلق بعد أن عرفت أنه سيمر بسلام وأن أسوأ مخاوفي ليس حقًا بهذا السوء.