أبحث عن..


أنا خائفة يا رفعت. أخبرتك بذلك مرارًا من قبل؛ ولكنني منذ أيام أشعر بخوف من نوع جديد. أشعر بالخوف على أطفالي الذين لم أتمنى أبدًا أن أتِ بهم للعالم! أخاف ألا أحبهم، أخاف ألا يحبونني، أخاف ألا أكون جيدة بما يكفي. أخاف أن أؤذيهم، أخاف ألا يحسنوا للعالم بما يكفي، وأخاف ألا يحسن العالم إليهم، وأخاف أن يعانوا يومًا كل هذا الخوف الذين أعيشه! أشعر أنني سأحملهم طوال الوقت كفراشات في برطمانات زجاجية كي أطمئن ألا يؤذِهم العالم. 
أشاهد برامج التلفزيون الكئيبة وأشعر بالرعب. أرى أشياءً مفزعة يا رفعت ولا أتخيل كيف حدث هذا؟ رأيتُ مثلاً طفلة لم تبلغ الخامسة، روحها رائعة وابتسامتها كذلك، تورطت أمها مع زوجها في تعذيبها، حتى فقدت البصر! في تلك الليلة أردت أن أبكي طويلاً ولكنني لم أبكِ. فقط انكمشت روحي وشعرت بالخوف.
الأطفال، البالغون، النساء، الرجال.. الجميع يا رفعت يتعرضون لأشياء مفزعة دون أن يكون هناك ما يميزهم. هل تفهم قصدي؟ هؤلاء كانوا يعيشون حياة عادية جدًا قبل أن يحدث شيء غير عادي في ثانية ليغير كل شيء، دون أن يفعلوا أي شيء يجعلهم معرضين لذلك! 
الوضع يشبه ذلك المشهد من فيلم "Schindler's List" حين أمسك ذلك المجنون مسدسه وأطلق النار على امرأة عادية جدًا لا يميزها أي شيء.. أذكر جيدًا ما قاله أحد أبطال الفيلم وقتها.. 
"He drew his gun and shot a woman who was passing by. Just a woman with a bundle, just shot her through the throat. She was just a woman on her way somewhere, she was no faster or slower or fatter or thinner than anyone else and I couldn't guess what had she done. The more you see of the Herr Kommandant the more you see there are no set rules you can live by, you cannot say to yourself, "If I follow these rules, I will be safe."
أتجاهل منذ ما يقرب من عامين كل حديثٍ عن أخبار مزعجة أو مفزعة، لا أتورط حتى في النقاش في السياسة أو الأحوال وأبني حولي بحرص قوقعة أحتمي داخلها لأنني لا أحتمل كل هذا الوجع، ورغم ذلك يصلني رغمًا عني ما يكفي لإفزاعي! 
ما يزعجني يا رفعت هو أنني أعرف أن هذا حدث ويحدث وسيحدث طوال الوقت. تذكرت ذلك الكتاب الضخم ذو الـ 600 صفحة من القطع الكبير الذي احتوى تاريخ "البشرية" في التعذيب حتى بداية الألفية الجديدة ولم أفهم أبدًا لماذا يفعل أحدنا بالآخر كل هذا؟ نحن دائمًا بهذا القبح يا رفعت. لا شيء تغير، ولا شيء سيتغير وهذا هو المرعب!

15 أبريل 2017