إلى "رفعت".. الرسالة (15)

قرأت قديمًا يا "رفعت"، أن ذلك الصوت الذي يسمعه الناس صادرًا مني، ليس صوتي.. أو بمعنى أدق، ليس نفسه الصوت الذي أسمعه أنا من حنجرتي. للموضوع تفاصيل كثيرة تتعلق بسريان الصوت بين عظام الجمجمة، والكثير من التفاصيل التي سقطت من ذاكرتي تمامًا، لكنني أشتاق جدًّا لسماع صوتي"الحقيقي" يا "رفعت"!
تشغلني جدًّا هذه الفكرة، حقيقة أن الصورة التي نراها في المرآة ليست تمامًا صورتنا، يحيرني ذلك الاختلاف في صورتي بسبب الإضاءة، أراني في بيت القاهرة هادئة، ببشرة قمحية، وأسنان لا بأس بها لكنني ممتلئة.
في بيتنا هناك، أراني سمراء، بأسنان بائسة ولكنني أقل وزنا، في مرآة العمل الضوء أشد قسوة، أرى بوضوح كل أثر تركته البثور على بشرتي، وآثار عبث الطبيب والزمن بأسناني، في مرآة الميكروباص أحب جدًّا أن أنظر لأصابعي، أراها طويلة وجميلة على عكس الطريقة التي أراها بها من الزاوية التي أرى بها نفسي في الحقيقة!
قرأتُ قديمًا أيضًا أن القطط لا ترى كل الألوان التي نراها، ولا ترى الأشياء بالزاوية التي تدركها عيوننا، وبعض الطيور كذلك. وأذكر أيضًا أنني قرأت أن إدراك كل منا للألوان يختلف عن الآخر، وما أراه بالنظارة يختلف تمامًا عما أراه بعيني دونها، والاثنان يختلفان عما أراه بالعدسات اللاصقة.
أشعر بالرعب أحيانًا من هذه الفكرة يا "رفعت"، وأحيانًا بالغضب. أشعر بأن الحياة لعبة غير عادلة، نظن أننا نرى الشيء نفسه، ونتعامل مع الأشياء نفسها ولكن لا أحد يرى الحقيقة ولا أحد يعرف أصلًا ما هي. أشعر أن الحياة عبارة عن "استغماية" كبيرة يا "رفعت"، ولكننا جميعًا معصوبي الأعين نتخبط باحثين عن أشياء لا نعرفها أصلًا!
أشعر بالخوف لأنني حتى لا أعرف ملامحي "الحقيقية"، فكيف أعرف "نفسي"!
حتى الكلمات يا "رفعت"، ما أكتبه / أنطقه ليس هو ما يفهمه الآخرون فيحبونه / يكرهونه، ورد فعلهم ليس هو ما أفهمه، فما هذا الهراء الذي نعيشه! كيف من المفترض أن أتخذ قرارًا صائبًا وسط كل هذا الضباب؟ كيف وإلى أين من المفترض أن أصل؟
هذا اليقين الذي يملكه البعض أيضًا يدهشني يا"رفعت"، وأحيانًا يشعرني بالخوف، هل هناك ما فاتني في قواعد اللعبة لذلك أنا لا أفهم بينما هم يفعلون؟ أم أنهم أغبياء ولم يدركوا حقيقة ما نعيشه؟ هل أعطاهم المدرس في غيابي "قانونًا" ما يعرفون باستخدامه كيف يصلون لحل المعضلة؟
25  March  2016

إرسال تعليق

0 تعليقات